الكاتب: جهاد حرب
تظهر ممارسات الاحتلال الإسرائيلي التهويدية ورعايته للمستوطنين اليهود في مدينة القدس والضفة الغربية، في السنوات الخمس الأخيرة بفرض سلوكيات قهرية كمسيرة الأعلام في مدينة القدس وفي أماكن متعددة في الضفة الغربية، جدية التخوفات الفلسطينية من تحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من صراع قومي سياسي؛ ما بين شعبٍ يقاوم الاحتلال العسكري من أجل تقرير مصيره وبين قوة احتلال عسكرية تستولي على الأرض الفلسطينية بالقوة، إلى صراع ديني بدا أنْه يتحقق ويتجذر في المفاهيم الشعبية وكذلك يتعمق لدى الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية.
إن مسألتين ظاهرتين تدلان بشكل رئيس على طبيعة الاستعمار اليهودي هما؛ الأولى: نقل السكان اليهود فقط من إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بالقوة العسكرية؛ أي العودة مفهوم الاستعمار بشقيه المتعلق بالحركة الاستيطانية للسيطرة على الثروة والهيمنة على السكان الأصليين وبالبحث عن الأسواق لتصريف منتجاتها والاستيلاء على المواد الأولية المتوفرة فيها، وهو ما ينطبق تماما على الحركة الاستيطانية المنتشرة في الأراضي الفلسطينية في إطار سلب على الأراضي الفلسطينية ببناء جزر يهودية عازلة بين المناطق السكانية الفلسطينية، وحرمان المواطنين الأصليين من التمتع بالثروات الطبيعية من خلال الاستيلاء على الأراضي الزراعية ومنع الفلسطينيين من التحكم بالموارد الطبيعة كالطاقة والمياه والنفط والغاز والطيف الترددي وغيرها من الموارد.
أما الظاهرة الثانية فتتعلق بعملية تهويد الإمكان الجغرافية والمقدسات الإسلامية عبر السيطرة عليها واصباغها بالطابع الديني اليهودي وتسميتها بمسميات توراتية أو عبرية لتحل محل المسميات العربية (الإسلامية والمسيحية)، وهذا ينطبق على المناطق الجغرافية كإطلاق مسمى "يهودا والسامرة" على الضفة الغربية، أو تسمية المستعمرات بأسماء يهودية وكذلك الطرق، أو على المقدسات الإسلامية والمقامات ذات الطابع الأثري بنسبها إلى أماكن يهودية؛ وبكل تأكيد الصورة الأوضح لهذه الظاهرة تتعلق بممارسات الاحتلال في مدينة القدس والصراع المطلق على الأماكن المقدسة، وإعمال وسائل التطهير العرقي لطرد الفلسطينيين "المواطنين الأصليين" منذ اليوم الأول للاحتلال الاستعماري للمدينة المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين لتهويدها وصبغها بالطابع اليهودي للأماكن وطبيعية العيش فيها.
وإنْ كانت الظاهرة الثانية لطبيعة الاستعمار اليهودي تأتي إطار حرب المدركات التي يحاول قادة الاستعمار اليهودي تجييره صالح روايتهم الاستعمارية كجزء من الاستعمار الثقافي في مواجهة عمق التاريخ الفلسطينية والحضارة المتأصلة لسكانها الكنعانيين المزارعين وفرعهم الفنيقيّن عابروا البحر مرورا بحضارات اليونان والرومان وحضارات بلاد الشام وصولا للحضارة العربية الاسلامية، فإن صراع الارادات المتمثلة بالإرادة الفلسطينية الممسكة بعزيمة الشعوب الحرة في مواجهة قوة القهر العسكري. وإن كان هذا الصراع غير المتكافئ بالإمكانيات المادية إلا أن التاريخ أثبت حتمية النصر للشعوب الحية الممسكة بإرادتها الحرة.