الكاتب: جمال زقوت
أن تحشد إسرائيل قواتها العسكرية والشرطية وميليشيا مستوطنيها الإرهابية، وتقرر منذ أيام خطة مسبقة ومنظمة تَنِزُ عنصرية تفوقت فيها على الأبارتهايد البائد في جنوب أفريقيا، بهدف إنهاك أهل القدس وشبانها، وزرع وهم السيطرة على المدينة في احتشاد تنافسي استعدت فيه إسرائيل المرتجفة من مستقبل عنصريتها بين نتانياهو الذي حضر مشهد العنصرية التلمودية، أم بينيت الذي أعد جيداً لاستعراض العنصرية والكراهية ليهنئ نفسه بهذا الكم من الحقد على أهل القدس والفلسطينيين والعرب والمسلمين ولا أظنهم استثنوا العرب المسيحيين.
سجل بينيت لحظة وهم "بانتصاره" العنصري عندما اقتحم الحي الإسلامي من باب العامود في البلدة القديمة التي أجبرتها الترسانة الأمنية الإسرائيلية على إغلاق وتخريب محلاتها وإرهاب شبانها على مدار أيام سابقة، كي تضمن مسار "مسيرة" ما يسمى بالأعلام، والتي هي في الواقع استمرار بشكل مختلف لحرب احتلال المدينة المقدسة التي بدأت منذ العام 1967، وظلت مفتوحة حتى الأمس واليوم، وأظنها ستظل كذلك حتى يندحر الغزاة عن تاريخ تلك المدينة التي تحتفظ أزقتها وحجارة جدرانها وخشب أبواب محلاتها وكل شبر على أرضها بتاريخ الحضارة الإنسانية وتعايش ثقافاتها وتسامح أديانها، وقد قبلت القدس تلك المسؤولية التاريخية منذ العهدة العمرية حتى يومنا هذا.
صحيح أن مشهد غزوة باب العامود لم يتمكن فيها المقدسيون من منع آلاف الجنود الذين تجندوا لتأمين عنصرية "المسيرة"، كما سبق وانتصرت في معركة البوابات الإلكترونية، أو موقعة حماية نعش شيرين ومسيرة تشييع صعود روحها لسماء القدس الأقرب لأبواب السماء وغيرها من معارك الصمود المتواصلة في سلوان والشيخ جرّاح وكل بقعة في القدس المحتلة، ولكن؛ سجل الشباب المقدسيون العزل يوم أمس بطولات أظهرت الصراع على حقيقته فهو ليس مجرد صراع على ممر "سالك" نحو حائط البراق، بقدر ما هو صراع استكمال التطهير العرقي الذي بدأته عصابات الإرهاب في حرب النكبة التي لم تتمكن أن تحسمها إسرائيل، ولن تستطيع أن تحسمها في معركة البقاء المفتوحة وطويلة الأمد. فشواهد الأمس قالت بلغة فلسطينية كنعانية صريحة "نحن هنا.. واحنا وياكم والزمن طويل". هذه الرسالة وصلت، وعلى المقدسيين أن يدركوا أنه في زمن الخنوع والعنتريات الفارغة على حد سواء، فإن إعلاء صوت مثل هذه الرسالة الهادرة ليست بالأمر الهين، وإن لم ترتق لمنع تدنيس شوارع البلدة القديمة التي امتلأت بشعارات الكراهية والحقد الدفين، وبثقافة العنصرية الفاشية التي لن يسلم منها المجتمع الإسرائيلي نفسه في وقت ليس بعيد.
مشاهد موقعة باب العامود أسقطت شعارات الوهم التي قررت أن تعقد صفقات "استرضاء وعدم إغضاب العدو" في الصراع على شرعيتهما التي للأسف وقفت في الجانب الرمادي لهذه الموقعة، والتي كما يبدو كانت واحدة من أسباب ركون المقدسيين عليها "لردع" عنصرية الاحتلال. صحيح أن لا أحد كان يريد جر الصراع مجددًا إلى حرب يدفع ثمنها أهل غزة التي أنهكها وأنهك أهلها القتل والدمار والحصار العنصري، كما أنهكها الانقسام الذي شكل ويشكل في كل موقعة ومعركة ذخيرة النظام العنصري المتهاوي في تل أبيب، وليس فقط في موقعة باب العامود. تماماً كما الخنوع والذي هو الوجه الآخر للعنتريات و توقيت برنامج الجزيرة "ماخفي أعظم". فعلاً؛ فما جرى من تسريب صفقات العنتريين وخنوع المنسقين هو ال "ما خفي أعظم " ومع ذلك في المعارك الحقيقية تختفي رايات الاستعراض الانقسامية ويرفرف فقط علم السيادة الوطني عاليًا فوق كل أعلام الزيف الاحتلالية.
ما تقدمه لنا موقعة باب العامود في التاسع والعشرين من آيار المقدسي الفلسطيني من درس هام، أن طريق ردع عنصرية الاحتلال ومنع "مسيرات" تزييف التاريخ الإعلامية، يبدأ من استكمال النهوض الشعبي الشامل، واستعادة المقدسيين وعموم الفلسطينيين زمام المبادرة لإسقاط الانقسام، وحماية التعددية والتراث وثقافة الانفتاح والتآخي، فذلك كله يشكل المدخل الإجباري لإنهاء الاحتلال، والاحتفال بيوم الفرح والحرية العظيم حيث صبايا البلاد وشبابها يدبكون في ساحات باب العامود وكل أبواب القدس على صوت الميجنا موشحين بالعلم الوطني وبغار النصر.