الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

موقعة العلم..

نشر بتاريخ: 02/06/2022 ( آخر تحديث: 02/06/2022 الساعة: 09:36 )

الكاتب: د. محمد نعيم فرحات

في سياق الصراع المعقد الطويل في فلسطين وعليها، جرى توظيف مكثف للرموز والمعاني والتأويلات وجرى استخدامها عند أطراف الصراع على نحو متوتر للتعبئة والحشد والاستنهاض، ويوما ما وبمناسبة فلسطين نفسها قال إدوارد سعيد: إن الصراع على المعنى الرمزي للأرض هو جزء أصيل من دراما الصراع الشامل عليها.

وعندما يتعلق الأمر بفلسطين يظل الروحي والتاريخي حاضرين بقوة منذ الأزل وحتى الأبد في صناعة أزمنتها وسرديتها ، لقد شاءت أقدارها أن تكون بلاط السماء في الأرض والزمن، بلاط يمكن لمسه بالعين واليد والروح، ولطالما كانت السماء هي مدار المجاز الفسيح لفلسطين، على نحو لا مثيل له في أي مكان على ظهر البسيطة، إن المشي في رحاب القدس هو تجربة في الصعود المجازي إلى السماء وسحرها وطيفها العظيم.

***

تكثف الأعلام والرايات الوطنية الإجماع والمعاني والعلامات الفارقة للجماعات والأمم وكذلك الامتثال الجماعي والطاعات. وعندما قامت إسرائيل كدعوة وكدولة في فلسطين استحضرت علمها بما فيه من رمزيات مبتدعة وطموحات غاشمة، وكان لفلسطين علمها بما فيه من تعبير عن جماعة وعن حقها.

يوم الأحد الماضي كان فصلا من فصول معركة العلم والحقوق، جرت في القدس حصرا بين علم مدجج بالحق وعلم مدجج بالقوة، ولا يحتاج المرء لدليل إثبات، حتى يتبين، لأي علم ابتسمت السماء والمكان والحق والشجر والحجر. ومن هو العلم الذي يملك الحق وإن لم يملك السيطرة على المجال بعد، لكنه يعد بأفق يبشر بها ، ومن هو العلم الذي يمتلك السيطرة القلقلة على اللحظة لكنة لا يستطيع تحويلها إلى حق مهما امتلك من قوة ونفوذ ورباط خيل.

***

على قارعة الصراعات الكبرى والمعقدة، هناك بديهيات تلقي خطاباتها على مسامع من يعنيهم الأمر، لكنهم –عموما- ما يتجاهلونها أو يحاولون إخفائها أو يعملون على تخطيها أو يتجنبونها. هذا السلوك يعبر عن مرض في وعي المعنيين الغاشمين الذين يقفون في وجه الحق والمنطق والجمال، وغالبا ما أطاحت أمراض الوعي عندهم بالقوة والفرصة والعبرة والضرورة والبنية والهيكل معا.

ما جرى في القدس يوم الأحد الماضي ألقى على مسامع إسرائيل مواعظ عدة : إن السيطرة بالسلاح وعمى البصيرة المدججة بأمراض الوعي لا تستطيع أن تضمن مسارا آمنا لمسيرة أعلام، فما بالك بالأمن والاستقرار وامتلاك المكان والمعنى والزمن والمستقبل.

وأن القوة الغاشمة قد تصنع لحظة سيطرة وفوز قد تطول، لكنها لا تستطيع أن تصنع جذرا لها في الحق والمكان والزمن، وأن طريق السلام مع الآخرين والعالم يمر بتحقيق السلام مع النفس، وليس تحويل السلام مع النفس والآخرين على نحو بالغ الغباء إلى ضحية تاريخية مستدامة.

وقالت وقائع الأحد لأهل فلسطين وأمتهم، إن أي حق يحتاج لجهد كبير كي يصير إستحقاقا، وهذا يتطلب منهم توليد سياقات وأدوات وشروط الاستحقاق، غير القابلة للإنتكاس حتى يستقيم حقهم في مدار ملائم تصادق علية السماء والأزمنة معا.

وقائع يوم الأحد قالت للزمن وللعالمين، بما في ذلك لمحتليها، إن فلسطين هي حجر رحى التاريخ والأرض والسماء، وأنها دعوة مفتوحة لسلام معروف الشروط، أو لحرب تطول، إلى أن تقضي السماء والتاريخ أمرا كان مفعولا.

فلسطين ليست حيزا جغرافيا هاما يقع في قلب العالم، إنها فكرة ودعوة متجددة ومؤيدة بقوة الشاهد والغيب معا لصياغة الأزمنة الجديدة وإعادة تشكيل وعي البشر الضال، كي يستقيم على نحو متناسب مع فقهها المسطور.ومن لا يدرك ذلك ويرى متغيرات الزمن سيكون بمقدوره أن يصنع لنفسة مكانا مرموقا في لائحة ضحايا سوء صنيع وعية.