الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
التدمير الذاتي .. لعبة التاريخ التي لا تنتهي .
وقد ورد في مقدمة ابن خلدون ، وورد في مؤلفات علم الاجتماع الغربيين والشرقيين أن الحضارات تفني نفسها بنفسها . وانها تصل الى مرحلة الجشع والتوحش لدرجة لا يمكنها التراجع وتواصل تحطيم الاخرين حتى يأتي الدور فتحطم نفسها بأدواتها .
عوامل فناء إسرائيل أقوى من شطحات الكتب والكتاب . ولا يسعفنها اذا قال الرئيس الأمريكي انه شخصيا صهيوني . فالأمر وصل الى مرحلته النهائية فكرا وعملا . ولا يعتمد على الرغبة وانما على الواقع الذي فرض نفسه .
وينشغل الفلسطينيون هذه الأيام بتفسير قول نتانياهو الشهر الماضي ( هو يمثل اليمين الصهيوني ) ان إسرائيل ربما لن تصل الى عمر الثمانين عاما . وبعد أيام جاء نفتالي بينيت ( وهو يمثل اليمين الصهيوني المتطرف ) وقال في رسالة بثها عبر موقع التواصل الاجتماعي: "تفككت "دولتنا سابقاً مرتين بسبب الصراعات الداخلية الأولى عندما كان عمر دولتنا 80 عاماً، والثانية عندما كان عمرها 77 عاماً، ونحن الآن نعيش في حقبتنا الثالثة ونقترب من العقد الثامن ونقف جميعاً أمام اختبارٍ حقيقيٍّ، فهل سنتمكن من الحفاظ على دولتنا".
إسرائيل التي ليس لها حدود ، ولا دستور ، ولا اخلاق ، ولا أي التزام بمبادئ الإنسانية وسلوكها الحضاري . سوف تندثر وهذه حتمية تاريخية لا جدال فيها . ولكن السؤال متى ؟
والسؤال الأخطر الان : هل هناك إمكانية لإقامة دولة فلسطينية بعدما دمّر الاحتلال كل عوامل التواصل الجغرافي والديموغرافي ؟
انا أقول ان إمكانية إقامة دولة فلسطينية في هذا الواقع شبه مستحيلة . فقد حطّم الاحتلال كل شيء وقتل الحجر والبشر وأحرق الزرع والضرع . والدولة الفلسطينية حاليا هي مجرد فكرة يستطيب المسئول الفلسطيني الحديث عنها وهو يعلم باستحالتها . لا يوجد سيادة ولا منافذ بحرية ولا حدود ولا أي مقوم من مقومات الدولة . والأسوأ من هذا تكرار فكرة إقامة دولة مؤقتة في غزة وهي فكرة تدعو الى الصدمة !!!
أيام الزعيم عرفات وفي ذروة الحديث عن السلطة والدولة . كتبت مقالة في العام 1995 وقلت فيها : ان فلسطين جزء من دولة بلاد الشام . وان كان الاحتلال البريطاني والاحتلال الفرنسي حطم هذه الا ان التاريخ يفرض علينا يوما من الأيام ان نعيد هذه الدولة ، في كيان اسمه بلاد الشام .
قرأ استاذي الراحل يوسف القزاز المقالة في اريحا . وقال لي محذّرا " لا تنشرها . فالرئيس ياسر عرفات سوف يغضب من هذه المقالة لأنه مؤمن ويعمل على إقامة دولة فلسطين . وبعد ان تقوم دولة فلسطين فلا مانع من الاتحاد من جديد مع دول بلاد الشام . ولأنني أحترم الرئيس عرفات واحتراما لفكرته إقامة السلطة لم انشر تلك المقالة حينها .
إسرائيل لن تبقى ، وهذه حتمية تاريخية . وفلسطين ليست السلطة بل هي بلاد الشام ، وهذه حتمية تاريخية أيضا . ولا شأن للمشاعر الشخصية والشعارات العابرة عند الحديث عن التاريخ .
نحن نتحدث ونخطط وكأننا نأخذ التاريخ الى حيث نريد نحن . والحقيقة أن التاريخ يأخذنا معه كيفما يريد .