الجمعة: 22/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

العدالة لشيرين تتطلب عقوبات على إسرائيل

نشر بتاريخ: 04/06/2022 ( آخر تحديث: 04/06/2022 الساعة: 18:34 )

الكاتب: د.مصطفى البرغوثي







حاصرت التحقيقات المستقلة في جريمة اغتيال الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، الأكاذيب والروايات الإسرائيلية الرسمية. ولم يقتصر الاستنتاج بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي هو مرتكب جريمة الاغتيال على التحقيق الفلسطيني، بل تضمنته تحقيقات فريق محطة الجزيرة نفسها، ومحطة (CNN) الأمريكية المعروفة، وتقرير فريق (AP) الأسوشيتدبرس، وتحقيقات مؤسسة هيومان رايتس ووتش، بل سيكتشف المتتبع للروايات الإسرائيلية الست بشأن الحادث، وهي روايات متناقضة، أنها تؤكد مسؤولية جيش الاحتلال عن الجريمة، خصوصا أن البيان الأول الذي صدر عنها وجرى سحبه بسرعة من المواقع الرسمية الإسرائيلية، أكد أن جيش الاحتلال قام، في توقيت اغتيال شيرين أبو عاقلة نفسه، بتصفية فلسطينيين وصفهم ب"الإرهابيين"، ثم سارع إلى سحب روايته بعد أن اتضح أن المقصود هو شيرين أبو عاقلة وزميلها الصحفي علي السمودي.
وكشفت التحقيقات والأدلة القاطعة، بما في ذلك الفيديوهات المصورة، ونماذج المحاكاة الدقيقة، و شهادات من عايشوا الحدث وكانوا في موقع الاغتيال، أن نيران الاغتيال انطلقت من رصاص قناص كان في دورية للاحتلال الإسرائيلي على بعد حوالي 180-200 متر من موقع اغتيال شيرين أبو عاقلة.
الحقائق إذن واضحة كوضوح الشمس في يوم صيفي، ولن تستطيع إسرائيل التهرب منها، رغم محاولاتها الإعلامية والدعائية الرخيصة، لكنها ستحاول، وبدعم من حلفائها، التهرب من نتائجها وتبعاتها.
ومن المهم هنا تأكيد أن إغتيال شيرين أبو عاقلة، كان نتيجة مباشرة لتعليمات رئيس وزراء إسرائيل، نفتالي بينت، باطلاق يد الجيش والمخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية لإطلاق الرصاص بحرية ودون قيود، على الفلسطينيين.وهي تعليمات بدأ نفتالي بينت بإصدارها في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وكرر إصدارها أكثر من مرة في شهر نيسان/أبريل من هذا العـام.
ولم يكن إغتيال شيرين أبو عاقلة معزولاً عن مجمل السلوك الاسرائيلي الذي أودى بحياة 55 صحفياً منذ عام 2000، ولم يتورع عن قتل أطباء ومسعفين، ومدنيين بينهم أطفال، منهم 67 طفلاً قتلهم القصف الإسرائيلي في أيار/مايو من العام الماضي في أثناء العدوان على قطاع غزة، وآخر الضحايا كان الطفل غيث يامين في مدينة نابلس، والفتى أمجد فايد في مخيم جنين، والفتى محمد زكارنة في جنين أيضا وأعمارهم لم تتجاوز 16 عاماً، ومنهم الطفل محمد مطور الذي فقد عينه نتيجة إطلاق جيش الاحتلال النار عليه مباشرة. و جيش الإحتلال الإسرائيلي نفسه الذي منع الطفلة فاطمة المصري، وعمرها 19 شهراً، من عبور قطاع غزة إلى الضفة الغربية لإجراء عملية في القلب، ما أدى إلى وفاتها متل مئات الفلسطينيين المحرومين من العلاج الطبي بسبب قيود الاحتلال الإسرائيلي. كما يعاني مرضى السرطان في قطاع غزة الأمرين قبل الوصول إلى لعلاج، علماً بأن سلطات الاحتلال ترفض حوالي 40% من طلبات العلاج خارج القطاع.
لم تكن شيرين أبو عاقلة ضحية لرصاص ضابط أو جندي إسرائيلي مجرم فقط، بل كانت أيضاً ضحية لمنظومة إحتلال، وإضطهاد، وتمييز عنصري تمارسها إسرائيل ضد شعب بكامله، على إمتداد 74 عاماً.
ومثّل الاعتداء الدنيء على جنازتها، داخل باحة المستشفى الفرنسي في القدس، تجسيداً صارخاً لمنظومة التمييز العنصري الإسرائيلية التي لا تعد الفلسطيني بشراً، أو إنساناً مساوياً في الحقوق الإنسانية، ولا تحترم كرامة الشهيد أو الميت وهو يشيع إلى مثواه الأخير.
ولذلك يجب أن لا تقتصر العدالة لشيرين أبو عاقلة على محاسبة الجنود والضباط المسؤولين عن اغتيالها ومعاقبتهم، وأولئك المشاركين والمسؤولبن عن الإعتداء على جنازتها، بل يجب أن تمتد لمعاقبة المنظومة الإسرائيلية بكاملها وفرض المقاطعة والعقوبات عليها، حتى تنهي احتلالها غير الشرعي للشعب الفلسطيني ونظام الأبارتهايد العنصري الذي تستخدمه ضده، تماماً كما جرى لنظام الفصل والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا.
ويشمل ذلك فرض المقاطعة السياسية، والاقتصادية، والأكاديمية، والثقافية، والفنية، والرياضية، على منظومة الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلية، ويعني ذلك إنهاء علاقات التطبيع التي أقدمت عليها بعض الحكومات العربية مع إسرائيل.
ويتطلب كذلك، ممارسة الضغوط على محكمة الجنايات الدولية لفتح التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، وآخرها جريمة إغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة.
ومن اللافت للنظر أن 141 دولة مارست ضغوطاً على مدعي محكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيقات في أوكرانيا، خلال شهرين من الحرب فيها، ولم نسمع بأن دولة واحدة مارست ضغطا مماثلاً، باستثناء فلسطين، على المحكمة ذاتها، للبدء بالتحقيق في جرائم قدمت وثائق تثبت وقوعها على مدار 13 عاماً، كما أشارت الكاتبة عائشة البصري في مقالها ً على صمت كريم خان عن جرائم إسرائيل " في العربي الجديد.
والأمر الأهم، كان وما زال، عدم السماح للمجتمع الدولي بمواصلة سياسة الكيل بمكيالين، وإستخدام المعايير المزدوجة كلما تعلق الأمر بفلسطين، وعدم السماح لإسرائيل، ومناصريها بإستخدام الزمن وسيلة، لتهميش وإضعاف قضية شيرين أبو عاقلة.
وما من وفاء أفضل لروح الشهيدة شيرين من إبقاء قضيتها حية، حتى تتحقق العدالة لها، ولشعبها الفلسطيني الذي أحبته بكل جوارحها، ودافعت عن قضيته، حتى وهي شهيدة محمولة على الأكتاف.