الجمعة: 08/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

بعيونهم يتكلمون وبقلوبنا نسمعهم

نشر بتاريخ: 05/06/2022 ( آخر تحديث: 05/06/2022 الساعة: 11:33 )

الكاتب: رولا سلامة

مدرسة الصم الثانوية بمحافظة رام الله

حركاتهم ولعبهم يملأ المكان، يركضون ويرسمون ويتسابقون لأخذ الكرة والبلالين ورميها لبعضهم البعض، أجواء غاية في الجمال، وابتسامات الأطفال ونظراتهم تشدنا اليهم، فنركض باتجاههم لنلعب معهم ، ونعيش معهم طفولتهم.

طلاب مدرسة الصم الثانوية في مدينة رام الله، تشعر بسعادتهم وانتمائهم للمكان الذي احتضنهم، فوفر لهم الدراسة والمبيت، يعيشون معا كأسرة واحدة ، اخوة وأخوات، يمكثون في مدرستهم والسكن الداخلي التابع لها أكثر مما يعيشون مع أهلهم واخوتهم، تشعر بسعادتهم وحبهم للمكان، وحبهم واحترامهم لمن علموهم دروسا عديدة وما زالوا.

سألتهم وأنا أنتظر اجاباتهم وأكاد أجزم انني أعرفها قبل أن تبدأ معلمتهم بترجمة اجاباتهم، فلغة العيون مفهومة، وتعابير وجوههم يملؤها الفرح والغبطة، فتقول ياسمين وهي المشرفة عليهم في السكن الداخلي :" يقولون أنهم يودون أن يبقوا في الجمعية طوال الوقت، ويفضلونها على منازلهم، ويشتاقون لبعضهم البعض باستمرار" .

من هنا تبدأ حكايتنا مع هذه المدرسة، لم تكن محض صدفة ، بل كانت زيارة رتبها لنا بعض الأصدقاء ، ودعونا لنكون معهم ونحيي معا نشاطا في المدرسة ، ونقول لهم بصوت قد لا يسمعونه ولكنهم يشعرون به، نحن نحبكم، وجئنا لنشارككم الفرح والسرور.

ما بين اللعب والضحك، كنا نسأل عن هذا المكان، وقصته، وكنا نسأل عن الطلبة والطالبات، عن المدرسة والاحتياجات، وسألنا كثيرا عن الحياة داخل السكن الداخلي ، سألنا بعد أن شاهدنا غرفا تشبه علب الكبريت، صغيرة ومضغوطة وتحوي كل غرفة ما بين 12- 15 سريرا، لا يوجد مكان مخصص للدراسة ، أو حتى مساحات يمكن أن يستعملها الطلبة أو تستعملها الطالبات للأنشطة، أو للعب، أو حتى لممارسة الهوايات .

للوهلة الاولى صعقت مما رأيت، ومن ثم استوعبت الوضع، فالمدرسة لا تتبع لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالكامل، والمعلمون نصفهم يتبعون للوزارة والنصف الاخر لا يتبع ولا يتلقى راتبه من الوزارة، بل من التبرعات والهبات التي تصل للطلبة، عفوا أقصد للجمعية والمدرسة، وهذه الفئة من الطلبة ومن الافراد ذوي الاعاقة ليس هناك من يطالب بحقوقهم، فهم من الطبقة المسحوقه ، فمن سيطالب بحقوقهم ومن سينصفهم.

حدثتنا السيدة حورية صافي، وهي مديرة المدرسة عن أوضاع المدرسة، وعن ضيق الغرف، وعن الحاجة لعمل صيانة للمدرسة، وتوسعة للغرف، وترتيب وتجهيز وصيانة شبكة الكهرباء ، وعن الحاجة للخزائن والاثاث وغيره من الاحتياجات الضرورية، والتي كانت تذكرها باستمرار لكل من يأتي لزيارة المدرسة ، فالوعود كثيرة والتنفيذ محدود، والضغط على المدرسة كبير لاستيعاب عدد أكبر من الطلبة ، ولكن الامكانيات محدودة، ولا مجال أن يستمر الوضع كما هو عليه الان .

المدرسة ثانوية وهي المدرسة الثانوية الوحيدة كما تقول مديرة المدرسة، وبحاجة لدعم كبير، وتوسعة لتتمكن من استيعاب عدد أكبر ، فمناشدتنا لأهل الخير والداعمين ولكل من ينتمي لهذا الوطن ، لترابه وارضه وشعبه وقضيته أن يمد يد العون للمدرسة التي ترعى أبناءنا من ذوي الاعاقة، فلولا هذه المدرسة وهذه البناية، والتي تبرع بها أحد المحسنين لصالح الجمعية، لخسرنا جيلا من الأطفال حرم من نعم السمع، وسيحرم من نعمة التعليم ومن ثم العمل وبناء المستقبل .

المدرسة بحاجة لمن يعترف بها ويدعمها ، وبحاجة لتوفير أجواء أفضل للطلبة والطالبات، وبحاجة لتوفير احتياجاتهم سواء من الحكومة وبالتحديد من وزارتي التربية والتعليم، ووزارة التنمية الاجتماعية، أو من القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية ، فلا يمكن أن تترك هذه الفئة وحيدة دون اهتمام ورعاية، ولا يعقل أن يتم استخدام المبالغ المالية التي يتم التبرع بها لصالح الطلبة والطالبات، ليتم دفع رواتب المعلمين والمعلمات اللواتي لا تعترف بهم وزارة التربية والتعليم .

صرخاتنا هنا للحكومة والوزارات المعنية وأهل المال، صرختنا لمن ينادي بحقوق الأفراد ذوي الاعاقة ويطالب بدمجهم، وصرخاتنا لوزارة التنمية الاجتماعية التي لا توفر احتياجات للطلبة ولا للمدرسة التي تقع ضمن تحصصها، ولكنها تحول بعض الطلبة للمدرسة، فأين كل المؤسسات الفاعلة التي تهتم بالطفولة والأطفال، والتي تهتم بالطلبة والطالبات، وتلك التي تهتم بالعلم والعلماء، وتنادي بحقوق الطفل وحقوق المعاق، أين أنتم من احتياجات هذه المدرسة ودعمها، وأين أنتم من زيارتها ومشاهدة الظروف المأساوية التي تعيشها الطالبات في غرف نومهم، من ضيق وكأبة وضغط نفسي.

أن ابناءنا الطلبة من الصم بحاجة لأن نوفر لهم أجواء للدراسة والابداع والتميز، فهم بحاجة لرعاية واهتمام منا جميعا، وهم فئة لها احتياجات وعليها واجبات ومسؤوليات، ونحن لن نستثنيهم من بناء مؤسسات دولتنا العتيدة، فنحن هنا نناشد القطاع الخاص وأهل الخير والجميع بأن يكونوا عونا وسندا لهم، حتى يصلوا الى مبتغاهم ويشقوا طريقهم للحياة كباقي الطلبة .

الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات دورية، تتحدث عن هموم وقضايا واحتياجات وقصص من واقع مجتمعنا الفلسطيني.