الكاتب: موفق الخطيب
كل مجتمع يحلم بأن يوفر لمستقبله كل مقومات البقاء والتطور والازدهار والاقتدار على التنافس مع المجتمعات الأخرى، وذلك عبر الاستثمار في موارد البشرية والثقافية والاقتصادية وغيرها، في الوقت الذي يبقى فيه الاستثمار في العقول خير استثمار.
وكما الكثير من الشعوب، فقد مرّ شعبنا في مواقف قد تُعدُّ من أقسى ما يمكن أن يمر به شعب على وجه البسيطة، وبخاصة ما يتعلق بموارده البشرية؛ إذ هاجرَتْ خيرةُ العقول، وحُورِبت عبقريةُ المبدعين، والعملُ جارٍ على تحريف المناهج التعليمية من أجل اجتثاث روح الارتباط والانتماء وتعتيم المساحات الذهنية التي تُبقي عقول الأبناء ملتحمة بواقع شعبهم وقضيتهم، وبالتالي انفلات الأهداف والغايات والطموحات التي يرنو إليها المجتمع.
وحين نتحدث عن التعليم على وجه الخصوص. فإننا، وفي ضوء ما أشرنا إليه، نرى مسار الأمور قد ضلّ عن المأمول وعن صُلب الغايات والأهداف. لم يكن المجتمع راضٍ يوماً عن حال التعليم؛ فلا الكثير من الطلبة يتقنون المهارات المطلوبة، ولا السلوك المدرسي مُرضٍ للآباء وللمجتمع، ولا بعض المعلمين يتقنون حتى بعض مهارات الكتابة كالإملاء والنحو وغيرهما، ولا المعلمون مُنصَفون. والأكثر خطراً أن الطلبة قد توالت عليهم فجوات تعليمية تعلُّمية قبل وأثناء الحالة الوبائية، وما نتج عن إضرابات المعلمين، فيما يسمى بالفاقد التعليمي الذي نضيف إليه الفاقد التربوي السلوكي الأكثر ضرراً، على مدى نحو عامين ونيّف.
خلال أعوام مضت، خضع التعليم إلى عمليات جراحية، ووضع في غرفة الإنعاش، وأجري له تنفس اصطناعي، ثم أعيد إلى غرفة التعافي، على الرغم من أن المرض لا زال كامناً وأكثر ضرراً، فقد كان العلاج يُقدَّم للمُعالج وليس لمن يعاني العلل.
ها قد عاد المعلمون إلى مدارسهم، واستُكمل العام الدراسي مغلَّفاً بالاستكمال شكلاً، مفعماً بالفجوات التعليمية التي يحملها الأبناء في ذواتهم نحو المراحل التعليمية المقبلة، جوهراً. وسيُبنى عليها تعليم منقوص وضعف في القدرات والمهارات المطلوبة لتحقيق الغايات والأهداف التربوية التعليمية المنشودة.
ويبقى السؤال: هل حُلت مشكلات التعليم حين وُقِّعت اتفاقيات ومبادرات لإنصاف المعلمين؟ من سيقوم بتشخيص الواقع؟ من سيحدد الفجوات التعليمية التي أوغلت في أبنائنا؟ من سيضع الحلول العملية لسد تلك الفجوات، وتهيئة الطالب للمرحلة التعليمية اللاحقة؟ ومن سيقيم النتائج الإيجابية والسلبية التي أحدثتها الوسائل التكنولوجية بمختلف أنواعها؟ وهل كانت مشكلاتنا التعليمية منحصرة في إنصاف المعلمين؟!
نعم، للمعلمين حق أساس في الحصول على حقوقهم، إلا أن حق الأبناء في التعلم المتكامل المكتمل، وهم الأهم، لم يكتمل!