الكاتب:
العميد: أحمد عيسى
المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي
فيما أعلن الرئيس بايدن خلال حملته الإنتخابية وكذلك بعد نجاحه في الإنتخابات وتوليه منصب الرئاسة في يناير العام 2021، أن مقاربته للشرق الأوسط ستكون مختلفة عن مقاربة الرئيس ترامب، لا سيما في ما يخص الملف النووي الإيراني والعلاقة مع السعودية والحرب على اليمن وخطة صفقة القرن، إلا أن الوقائع على الأرض تثبت أن المحركات والغايات التي تحرك إدارة بايدن في كل ما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومقاربات معالجته لا زالت هي ذات المحركات والغايات التي دفعت وحركت الرئيس ترامب في طرح خطة صفقة القرن، الأمر الذي يعني أن المراهنة الفلسطينية على إنصافهم من قبل الإدارة الأمريكية الحالية أو الإدارات المتعاقبة في المدى المنظور هي مضيعة للوقت وصرف للجهد في غير مكانه.
صحيح أن بايدن لم يأتي كثيراً على ذكر صفقة القرن منذ توليه الرئاسة، إلا أنه بالمقابل لم يحدث أي تغيير على ما تضمنته من قضايا جوهرية، لا سيما في ما يتعلق بإعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على شرق القدس ، فضلا على انه لم يغير من الإجراءات التعسفية التي كان سلفه قد وقع على مراسيمها، والأهم أنه كان قد أكد خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الكوري الجنوبي عقد في البيت الأبيض في شهر مايو/ايار العام 2021 "أن لا سلام في الشرق الأوسط دون قبول جيران إسرائيل بوجودها كدولة يهودية مستقلة".
الأمر الذي يفسر إهتمام إدارة بايدن بإتفاقية إبراهام المعروفة باتفاقية تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية بعيداُ عن مبادرة السلام العربية العام 2002، التي إشترطت بنودها إنسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي التي إحتلتها العام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مقابل تطبيع العلاقات العربية والإسلامية معها، إذ كانت قمة النقب السداسية التي ضمت الى جانب وزيري الخارجية الإسرائيلي والأمريكي وزراء خارجية كل من مصر والإمارات والبحرين والمغرب من أوضح تجليات هذا الإهتمام، لا سيما وأن العواصم التي طبعت مع إسرائيل لا تخفي إعترافها بيهودية الدولة.
ما تقدم يجعل من المشروع الإعتقاد أن هناك تماهي في التقدير قد تم بين كل من واشنطن وتل أبيب مفاده أن الفلسطينيين وقيادتهم هم العقبة أمام القبول والرضا بحل يجسد الرؤية الإسرائيلية، لا سيما بعد رفض الفلسطينيين (وحسناً فعلوا)، لمقترحات كلينتون التي وصفت بالسخية في حينه من قبل أطراف أمريكية وإسرائيلية وفلسطينية وعربية، ويبدو هنا أن هذا التقدير قد تطور لاحقاً إلى قرار، ثم إلى خطة عمل طويلة الأجل مقصدها إنهاء الإحتكار الفلسطيني للتقرير في مصيرهم ونقل هذا القرار تدريجياً الى العواصم العربية التي تدور في الفلك الأمريكي سواء تلك التي طبعت علاقاتها مع تل أبيب، أم التي ستوقع في المستقبل القريب.
المهم هنا أن قطار التطبيع قد إنطلق من محطته ولا زال يسير في مساره الطبيعي وذلك على الرغم من رحيل ترامب ومجيء بايدن، وربما يكون الفارق الأبرز بين مقاربات الإدارتين في هذا المجال هو مكانة الشرق الأوسط في سلم أولويات الإدارة.
إذ فيما كانت منطقة الشرق الأوسط أول محطات رحلة الرئيس ترامب الخارجية الأولى التي زارها بدءا من الرياض التي عقد فيها قمة عربية إسلامية أمريكية في مايو/أيار العام 2016، كإعلان أمريكي على بدء تنفيذ خطة نقل قرار المصير الفلسطيني للعواصم العربية بدلا عن رام الله من خلال التأسيس لحلف ناتو عربي أمريكي إسرائيلي، إلا أنه من الواضح أن إدارة بايدن ترى أن ترميم العلاقة مع أوروبا الغربية (الناتو) واسيا أو محور (كواد) هي أولويات تسبق الشرق الأوسط وفقاً لإستراتيجية بايدن التي حملت شعار (عودة أمريكا لقيادة النظام العالمي) والتي كان البيت الأبيض قد نشرها في شهر مارس/أذار العام 2021، حيث كانت لندن وبركسل هي العواصم التي زارها في رحلته الخارجية الأولى، ثم كانت سول عاصمة كوريا الجنوبية هي المحطة الثانية، أما زيارته للشرق الأوسط فقد جرى تأجيلها أكثر من مرة.
اللافت هنا أن بقاء الإنقسام الفلسطيني الداخلي، علاوة على تراجع مكانة الحركة الوطنية الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني كما تظهرها نتائج الإنتخابات الطلابية والمحلية والنقابية لصالح قوى تتخذ من العواصم المؤيدة لصفقة القرن يسهل على هذه الأخيرة إنجاز مهمتها، الأمر الذي يضاعف من الأثقال على كاهل أجيال المستقبل من الشعب الفلسطيني.
في نهاية المطاف قد يكون نصيب ما ذهب اليه هذا المقال من الصواب يساوي نصيبه من الخطأ، ولكن أي كان النصيب فهو سيناريو محتمل، فماذا نحن فاعلون؟