الكاتب:
روز الدين علي
لا أحد ينكر تلك العلاقة الاقتصادية الوثيقة بين فلسطينيي الداخل وبيننا في الضفة. أن فلسطينيي الداخل هم المستهلك والقوة الشرائية الأولى في المدن الكبيرة ، خاصة القريبة من المعابر كالقدس ، جنين ، طولكرم ، الخليل ، قلقيلية وحتى نابلس أيضاً. كما أن مسألة العلاقة الاقتصادية بين الضفة والداخل لا تقتصر فقط على التاجر العادي والمستهلك ، بل هناك أيضاً علاقة بين الداخل وبين كبار التجار والمستوردين من الضفة ، لذلك فإن إحدى وسائل الاحتلال للضغط على الضفة هو سلاح إغلاق المعابر بين الضفة وفلسطينيي الداخل 48، وهي وسيلة ضغط اقتصادي تضاف إلى وسيلة إغلاق المعبر أمام العمال الفلسطينيين العاملين داخل اسرائيل ، وهي إحدى الوسائل الفعالة في الضغط على غزة أيضاً .
ولا شك أن وسائل الضغط الاقتصادي فعالة جداً في عصرنا هذا، وهو ما يحصل الآن بين أمريكا والغرب من جهة ، وروسيا من الجهة الثانية حيث يمارس الغرب ضد روسيا حرباً اقتصادية بدل الحرب العسكرية في أوكرانيا .
ولنقل ، بصراحة وبدون تمتمة أو فلسفة ، أن ذلك يؤثر علينا فعلاً وبشكل لا يطاق ، حيث أنه بعد إنزال هذا العقاب مباشرة ، يبدأ ضغط التجار وأصحاب المحلات الصغيرة والمتوسطة ، وتبدأ صور المحلات المغلقة والبضاعة المتراكمة ، ويبدأ الضغط الشعبي ، ثم تبدأ المفاوضات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل في حالة إغلاق معبر في الضفة ، أو بين قيادة غزة واسرائيل بوساطة مصرية ، لإنهاء هذا العقاب كي لا تكون عواقبه وخيمة على الطرفين .
وهذا الأمر، وأعني الضائقة الناتجة عن إغلاق المعبرأو المعابر،لا يقتصر على رمضان ، مع أن له في رمضان أبعاد أخرى . ففي رمضان يتضاعف الاستهلاك وتتضاعف المشتريات بشكل كبير ، خاصة لدى أهلنا في الداخل الفلسطيني الذين من المعروف أن مصروفهم في رمضان يبلغ أحياناً أرقاماً ضخمة جداً. كذلك فإن إغلاق معبر ومعابر يؤثر على زيارات صلة الرحم بين الداخل الفلسطيني والضفة ، فكلنا أقارب ولكل من من يزوره أو يعوده أو يستجيب لعزومة للإفطار لديه .
يبلغ إجمالي السلع المستورَدة لفلسطين من اسرائيل في السنة الأخيرة حوالي ال 10 مليون دولار أمريكي ، أضافة إلى أكثر من مليوني دولار من استيراد الخدمات . وهذه طبعاً هي الأرقام الرسمية ، أما الأرقام الحقيقية فتبلغ أكثر من الضعفين ، فكلنا نعلم كيف تسير الأمور التجارية والتعامل بالأسود والتهريبات والتهرب من الضريبة وعدم كتابة التجار لتقارير حقيقية عن الدخل وإجمالي المبيعات أو المشتريات . هذا يعني أن تعلق الاقتصاد الفلسطيني بالسوق الاسرائيلية وبالمستهلك الفلسطيني القادم من اسرئيل هو في غاية القوة والأهمية ، وأي خلل يحدث فيه ممكن أن يجلب الخطر لمجمل اقتصاد الدولة ، وهو يؤثر بشكل مباشر على دخل معظم العائلات الفلسطينية . لذلك فإن إغلاق معبر أو عدة معابر بين الضفة والداخل سواء في ذلك الاتجاه أو الآخ ، أو في كلا الاتجاهين كما حدث في جنين بعد الأحداث الأخيرة يؤثر بشكل فوري على دخل العائلات في تلك المنطقة وعلى الاقتصاد والحياة الاجتماعية عامة. وتستخدم اسرائيل هذا السلاح الفعال وقت اللزوم كعقاب ووسيلة ردع للعمليات ولنشاط المقاومة . وهذه مسألة تستحق الدراسة ، ولست أدري إن كان بالإمكان تغيير هذه الحقائق على المدى القصير أو الطويل . ولكن ، بصورة عامة ، ودون علاقة لموضوع سلاح العقوبات ، فإن على رجال السياسة والاقتصاد الفلسطينيين التفكير بجدية بتنويع مصادر استيراد السلع والخدمات وعدم حصر غالبيتها في المصدر الاسرائيلي . أما أهلنا في الداخل ، فسيبقون دائماً هم سندنا في المشتريات والمبيعات، وهم زبون الدولة الاول والزبون الأول والأقوى للتاجر الفلسطيني في الضفة ، ويجب عمل المستحيل من أجل ضمان هذه السيولة النقدية التي تذهب مباشرة لرب العائلة الفلسطيني ولا غنى له عنها .