الكاتب: كمال خلف
ارتفع مستوى التوتر بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل على خلفية ارسال تل ابيب سفينة استخراج الغاز الى حقل كاريش المتنازع عليه مع لبنان في مياه المتوسط، في عمل احادي عدواني يناقض مسار التفاوض الغير مباشر بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية عبر الوسيط الامريكي المنحاز لإسرائيل ” عاموس هوكوشتين”، هذا الاستفزاز الإسرائيلي استدعى خطابا عالي السقف من الأمين العام لحزب الله “السيد نصر الله ” وضع فيه معادلة مفادها ان المقاومة ستمنع إسرائيل من الاستفادة من الغاز في المياه المتنازع عليها طالما لبنان ممنوع من القيام بذلك.
هذا الكلام ترجمه حزب الله بالاستعداد العملي لاستهداف محطة الاستخراج البحرية التي تعمل لصالح إسرائيل، واجرى حزب الله حسب بعض الأوساط المقربة منه مناورة بحرية تحاكي عملية عسكرية تشل الحركة الإسرائيلية لاستخراج الغاز في حال فشل المفاوضات. وينتظر لبنان جوابا في نهاية هذا الشهر من الوسيط الأمريكي الذي زار لبنان الأسبوع الماضي واستمع الى وجهة النظر اللبنانية حول الحقوق البحرية للبنان. وبشكل عام وبعيدا عن التفاصيل الكثيرة في هذا الملف لا يبدو أداء الوسيط “عاموس” مبشرا، فالرجل عدا عن كونه ثقيل الظل سمجا “وهذا امر هامشي”، فانه تحدث في الاعلام بلغة استعلائية فيها استهزاء بوجهات نظر اطراف لبنانية وازنة.
اغلب التقديرات تقول ان فشل المفاوضات، او مماطلة إسرائيل في عملية التفاوض، وممارستها لعبة شراء الوقت من خلال ادخال لبنان في دوامة مفتوحة زمنيا من المفاوضات، بالوقت الذي تسحب فيه إسرائيل كميات ضخمة من الغاز. سيدفع المقاومة في لبنان لاستهداف السفينة وتعطيل عملية السرقة دون ادنى شك. وقد يؤدي ذلك الى تدحرج الوضع نحو الحرب المفتوحة بين المقاومة وإسرائيل.
ولكن كيف سيكون شكل تلك الحرب، وماهي اوجه الاختلاف مع المواجهة القاسية في تموز 2006؟.
هناك اجماع لدى اغلب الخبراء على ان الحرب المقبلة ستكون اكثر قساوة وضراوة من تلك الحرب التي وقعت قبل ستة عشر عاما. ولعل البعض ذهب الى وصفها بالحرب الأخيرة بين تحالف المقاومة في المنطقة وليس لبنان فقط من جهة وإسرائيل من الجهة المقابلة. وطالما ان مؤشرات الحرب ارتفعت مع تغول إسرائيل وارتفاع معدل انتهاكاتها واعتداءاتها وغطرستها، فيمكن محاولة وضع تصور للمعطيات الجديدة في هذه الحرب وماهي السيناريوهات العسكرية المحتملة في ضوء ما تم الكشف عنه من قدرات او احتمالات المفاجآت. ويمكن رصد ستة معطيات جديدة متوقعة.
ـ الأول: القصف الصاروخي لحزب الله تجاه اهداف إسرائيلية سيكون اكبر بكثير من وتيرة القصف خلال حرب تموز 2006، والأكيد انه سيكون هناك تطور نوعي في دقة الصواريخ، بعد الإعلان عن امتلاك المقاومة مخزون كبير من الصواريخ الدقيقة، وهذا يعني ان أهدافا إسرائيلية حساسة وحيوية ستكون في مرمى صواريخ المقاومة. والقدرة التدميرية للمقاومة وتدفيع إسرائيل الثمن ستكون اكبر واكثر فعالية. لن تتفرد إسرائيل على الأرجح بفعالية التدمير للبنية التحتية، انما سيكون هناك تدمير مضاد بالمقابل، وهذا بالحرب قد يرسم معادلات رادعة تمنع إسرائيل من احداث الدمار الهائل كما فعلت بحرب تموز عندما دمرت الضاحية الجنوبية لبيروت بالكامل.
ـ الثاني: هو مجال المواجهة البحرية والذي سيدخل بشكل أساسي في الحرب المقبلة، بعد ان اقتصر في الحرب السابقة على استهداف حزب الله السفينة الحربية الإسرائيلية ” ساعر ” فقط، بينما من المتوقع ان تكون المواجهة البحرية اشمل وابعد من حيث مديات الصواريخ واستهداف البوارج الإسرائيلية. في الحرب المقبلة المواجهة البحرية بلا شك ستكون أوسع نطاقا، وقد لا تقتصر على اطلاق المقاومة للصواريخ الدقيقة تجاه القطع البحرية حول شواطئ لبنان، بل قد يكون حزب الله قد امتلك تكتيكات القتال البحري بوسائل أخرى، قد تحمل الكثير من المفاجآت.
ـ الثالث: ما يرتبط بالقتال البري، فقد شهدت حرب تموز محاولات للقوات البرية الإسرائيلية للتوغل داخل لبنان، وكان دور المقاومة الصمود ومنع التقدم، لعبت صواريخ الكورنيت دورا فعالا في احداث عطب في حركة الدبابات وبالتالي المشاة، كما لعبت الشجاعة والثبات والروح المعنوية وتكتيكات قتال حرب العصابات دورا في تعطيل التقدم البري لقوات الاحتلال حتى نهاية الحرب. وعلى الأرجح المقاومة لن تعمد ذات الأسلوب القتالي الذي درسته القوات الإسرائيلية جيدا في السنوات الماضية كنوع من خلاصات وتقييمات الحرب ومحاولة تفاديها. ونعتقد ان حزب الله في الحرب المقبلة سيعمد الى تكتيك الهجوم في الحرب البرية بالتوازي مع الدفاع، وان مقاتلي المقاومة سيحاولون التقدم برا داخل فلسطين المحتلة وتهديد المستوطنات المحيطة والالتحام بالقوات الإسرائيلية ما سوف يحيد فعالية سلاح الطيران كون المواجهة البرية عن قرب وداخل المستوطنات الحدودية.
ـ الرابع: فمرتبط بالتفوق الجوي لإسرائيل، وسلاح الجو المتطور، في هذا المجال من المؤكد ان إسرائيل لن تكون مرتاحة بالسماء اللبنانية كما كانت عليه قبل 13 عاما. وان المقاومة ستستخدم الدفاعات الجوية لأول مرة، وهو ما سيحيد حركة المروحيات والمسيرات الإسرائيلية تماما، فضلا عن اضطرار الطائرات المقاتلة الإسرائيلية الارتفاع في الجو وتجنب التحليق على علو منخفض كما كانت فعلت في حرب تموز، وهذا بدوره سيؤثر في تحديد الأهداف الصغيرة بدقة ما يقلل من دور المقاتلات والتفوق الجوي في المواجهة المقبلة.
ـ المعطى الجديد الخامس يمكن قراءته بالنظر الى قصف إسرائيل قبل أسبوع مطار دمشق الدولي واخراجه من الخدمة، نعتقد ان تل ابيب هدفت من خلال ذلك ضرب شريان امداد المقاومة من ايران جوا عبر سورية استعدادا لاحتمال جولة نار مع حزب الله، او لمنع حزب الله من التفكير باستهداف سفينة استخراج الغاز. سورية هي الشريان الحيوي الذي عزز صمود المقاومة في حرب 2006. وقد يكون مطار الشام الشريان الوحيد الذي يمكن ان يعتمد عليه حزب الله لرفد مخزونه من السلاح والعتاد في حال طال امد الحرب. البديل بالنسبة لتحالف المقاومة عن مطار دمشق، هو الخط البري الذي يصل طهران ببيروت عبر سورية والعراق، وهذا الخط يحول دون تفعيله وجود القاعدة الامريكية في التنف على الحدود السورية العراقية. وهنا نعتقد ان المعطى الخامس الجديد هو احتمالية استهداف تحالف المقاومة القوات الامريكية في العراق وسورية، وتحديدا قاعدة التنف الامريكية، من اجل فتح الخط البري لامداد المقاومة بالقوة.
ـ سادسا، والاهم بين كل تلك المعطيات الجديدة هو ارتفاع احتمال اشتراك جبهات المقاومة على امتداد المنطقة بالحرب، هذا الاحتمال كان واردا في حرب تموز لكنه كان احتمالا ضئيلا، اما اليوم فان هذا الاحتمال بات موجودا وبقوة. أي ان تواجه إسرائيل المقاومة الفلسطينية واللبنانية وسورية وايران والمقاومة العراقية وحركة انصار الله في اليمن معا، فضلا عن تحرك الضفة الغربية والشعب العربي الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 48 ومن خلفهم كل الشعوب العربية والإسلامية. واذا ما تم ذلك ستكون فعليا هذه هي الحرب الأخيرة مع إسرائيل الكيان المحتل الغاصب. وستكون الحرب المقدسة التي انتظرتها الأجيال والأمة لعقود من الزمن. وحتما نتائجها ستحدد ان كنا سنعيش أحرارا في ارضنا، ونستعيد كرامة هذه الامة المهدورة امام الصلف الأمريكي، والغطرسة الإسرائيلية. او تستمر المقاومة لاجيال قادمة لتحقيق هذا الهدف.
كل ما ذكرناه هو توقعات وفق المعطيات المتوفرة، اما شكل الحرب وسيناريوهات المعركة ومفاجآتها، فلا يعرفه الا اهل المقاومة وقادتها، وحتى احتمالية نشوب الحرب يبقى مرهونا بعوامل عدة، أولها لجم إسرائيل عن سرقة ثروة لبنان، والعدوان على سورية، وتجويع وحصار غزة، ووقف اقتحامات المسجد الأقصى، واستهداف ايران.
ما علينا سوى الانتظار.