الكاتب: د. رمزي عودة
عندما تأسست الحركة الصهيونية عام 1897م. على يد "هيرتزل"، نجح الأخير في إقناع الدول الكبرى وعلى رأسها بريطانيا بأهمية إنشاء دولة لليهود في فلسطين. ففي كتابه "دولة اليهود" أشار "هيرتزل" الى أن دولة اليهود ستؤمن طريق الحج المسيحي وستقوم بحماية المصالح الغربية في قناة السويس، وستؤمن خطوط التجارة من الشرق الى الغرب، كما أن هذه الدولة المصطنعة ستكون سداً منيعا أمام ما أسماه بتغول البربرية الشرق أوسطية في أوروبا! وقبل "هيرتزل"، أشار "موشي هس" الى أهمية ما أسماه حكمة اليهود الذين اصطفاهم الرب، كحلقة وصل بين المدنية الغربية والبربرية العربية. وفي نفس السياق أيضاً، أوضح "جيبوتنسكي" بأن دولة اليهود ستمثل جداراً حديدياً بين العرب غير المتمدنين وبين أوروبا المتحضرة. وفي كل السياقات السابقة، نجد أن فكرة تفوق اليهود كانت وما زالت هي الفاعل الجاذب لدور دولتهم في حماية المصالح الغربية الاستعمارية في المنطقة العربية.
وبعد أكثر من 74 عاماً على نشوء "دولة الاحتلال" إسرائيل، نجد أن كل مسوغات قيام هذه الدولة لم تعد قائمة هذه الأيام. فالاستعمار الذي كان مقبولاً سياسياً وقيمياً قبل 100 عام، لم يعد مقبولاً في الرأي العام الغربي. وبالضرورة، فلم يعد مقبولاً دعم دولة استعمارية احتلالية، ولم يعد مقبولاً أيضاً توفير خدمات استعمارية بالنيابة عن الدولة الام. من هنا، فإن حماية قناة السويس أصبحت من أولويات الدولة المصرية العميقة؛ وهي كانت وما زالت قادرة على حماية قناة السويس منذ تأميم القناة عام 1956. كما أن تأمين حج مسيحيي العالم أصبح مكفولاً بالقانون الدولي وبالمعاهدات الدولية، ويتم احترامه، وليس كما كان الأمر عليه أيام الدولة الفاطمية! وفي السياق، فإن اعتماد الغرب على تفوق العرق اليهودي أصبحت فكرة بلهاء تماماً، فالعنصرية وتفوق العرق هي فكرة قد ماتت مع موت النازية في الحرب العالمية الثانية، ولم يعد بالإمكان الإرتكان عليها خاصة أن يهود إسرائيل أثبتوا في أكثر من حدث أنهم دمويين ومتوحشين وعنصريين، وأنهم أقل قدرة من شعوب آخرين كثر على توفير الأمن والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. من جانب آخر، لم تعد دولة اليهود في فلسطين قادرة على حماية أمن المنطقة العربية من أجل الحفاظ على مصالح الدول الغربية بما فيها الحفاظ على إمدادات النفط. فتاريخياً تقوم الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن المنطقة، وما حرب الخليج الثانية الا دليل واضح على هذه الاستنتاج. كما أن سعي إسرائيل للترويج لنفسها في المنطقة بأنها قادرة على حماية أمن المنطقة ومواجهة الخطر النووي الإيراني ليس من السهل إثباته، فدول المنطقة العربية مثل مصر السعودية والامارات هي دول قوية عسكرياً ولديها أسلحة متطورة وتستطيع لوحدها مواجهة أي خطر خارجي بما فيها الخطر الإيراني. وبالمحصلة، فإن إسرائيل تحاول أن تغير دورها الوظيفي في المرحلة الحالية باعتبارها دولة تحافظ على الأمن الإقليمي مع أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي نجم عن وجودها أكثر من 10 حروب دموية على الأقل.
في هذه الأيام، لم يعد بمقدور العالم المتحضر أن يتحمل إسرائيلوحتى الولايات المتحدة الحليفة الأولى لإسرائيل، أصبحت غير قادرة على تبرير سلوكها الاجرامي والعنصري. فإسرائيل تصر على احتلالها للضفة الغربية وحصار غزة وترتكب جرائم الاضطهاد والتنكيل يومياً بحق الشعب الفلسطيني. وإسرائيل تقوم بجريمة الفصل العنصري في أراضيها وفي المناطق المحتلة ولا تتوقف عن الاستيطان وتهويد الأماكن المقدسة. وإسرائيل تغتال الصحفيين والمدنيين الفلسطينيين دون أي رادع. وإسرائيل تتنكر للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية. وبعد كل هذا، لم يعد الحديث عن التفوق العرقي لليهود أمراً منطقياً، ولم يعد الحديث عن إسرائيل كواحة الديمقراطية والامن في الشرق الأوسط أمراً مجدياً. بالمقابل، فلقد تحولت مشكلة اليهود أو اللاسامية في أوروبا منذ أربعينات القرن الماضي الى مشكلة بحق الشعوب الأخرى في عالم ما بعد الحداثة؛ مثل معاداة الفلسطنة وإرهاب الدولة والفصل العنصري. وبات العالم أقل قبولاً لوجود الدولة اليهودية، بل إنه لم يعد بحاجة اليها. والحل الوحيد الذي يجب البحث فيه هو إعادة دمج يهود إسرائيل مع شعوب دولهم الأصلية التي قدموا منها الى فلسطين، حيث سيتمتعون بالأمن والسلام والرفاه، وسيكونون مضطرين لاستبدال قيم العنصرية والعدوان التي تغرست في عقولهم على مدى عقود طويلة الى قيم السلام وحقوق الانسان.