الكاتب: أ.صخر سالم المحاريق
لا شك بأن مفهوم "التسويق" اليوم قد تسلل إلى مُختلف مجالات الحياة؛ بحيث أصبح حاجة وضرورة مُلحة لتحقيق الأهداف، والوصول إلى النجاح، واكتساب الشُهرة. ومن القطاعات المُجتمعية الحيوية والتي نالت نصيبها من هذا المفهوم قطاع التعليم وخاصة مؤسسات التعليم العالي (الجامعات والكُليات)، بحيث طغى عليها اليوم الأسلوب "التجاري" في التسويق، والذي لا يليقُ بدور تلك المؤسسات في مُجتمعاتها وما تسعى إلى إيصاله وتحقيقه من رؤى، ورسائل، وأهداف تعليمية تخدم عملية التنمية عامة والتنمية البشرية وبناء القُدرات خاصة.
إذاً فكيف يكون "التسويق الأكاديمي" السليم؟ في ظل بطالة محلية متفشية جاوزت النصف (53%) مثلاً في أواسط الخريجين وحملة الدرجات العلمية المُختلفة وحدهم فقط، إضافة إلى ضعف الطلب على بعض التخصصات في سوق العمل بل توقفه في بعضها مُنذ سنوات، ناهيك عن الضعف الحاصل في مجموعة المهارات (الفنية والشخصية) المُكتسبة والضرورية للانخراط بشكل كفؤ وفعال في سوق العمل المحلي والعالمي حتى، وما يتبع ذلك من فُقدانٍ للدور والعلاقة التكاملية بين المؤسسات التعليمية وبين قطاعات المُجتمع المُختلفة (العامة، والخاصة، والأهلية)، ومتغيرات عديدة أخرى لا يتسع الحديث الآن على ذكرها.
هُنالك مقولة شهيرة عزيزي القارئ في عالم التسويق تُفيد بأن "السلعة أو الخدمة الجيدة تُسوِقُ نفسها بنفسها"، فيكف يكون هذا؟ إن نشاط وعملية التسويق عزيزي القارئ الكريم تتم وتُبنى على مجموعة من العناصر المُتكاملة تُدعى بعناصر "المزيج التسويقي" وهي في الأساس أربعة عناصر (المُنتج، السعر، المكان/التوزيع، الترويج)، ولو استندنا للمقولة السابقة لوجدنا بأن المُنتج أي (السلعة أو الخدمة) هو المُحور الأساس ومُنطلق أي عملية تسويق ناجحة، فكُلما كان ذلك المُنتج يتمتع بجودة عالية وخصائص فريدة من (إضافات وخدمات) كُلما كانت عملية تسويقه أجدى وأنجع مع عدم إغفال أهمية العناصر الأخرى كحلقة تكاملية تبدأ بالمنتج وتنتهي به.
لكن الأمر فيه شيء من الاختلاف بالنسبة لتسويق الخدمات التعليمية ومنها الجامعية على سبيل المثال وهو ما يُعرف "بالتسويق الأكاديمي"؛ فالتسويق الأكاديمي الجيد يجب أن يكون هدفه: تعزيز السُمعة الأكاديمية للمؤسسة التعليمية، فالسُمعة الأكاديمية تلك بمثابة بوصلة عملية التسويق الجامعي، والتي يتم ترسيخها عبر جودة العملية التعليمية ذاتها في جميع مراحلها وتكامل جميع عناصرها ومُكوناتها.
ومن آليات ترسيخ السُمعة الأكاديمية تلك أولاً: جودة معايير ومُتطلبات القبول والتسجيل والتي يجب أن تستند على الغربلة والانتقاء (النوعي لا الكمي) للطلبة وتخصصاتهم؛ ليكونوا نماذج وقادة لمجتمعاتهم في المُستقبل، وبالتالي التغني بقصص نجاحهم باستمرار، فالطالب والخريج هو أساس تلك السُمعة الأكاديمية بل هو مِحور التسويق الأكاديمي وسفيره في المُجتمع فهو المُنتج والنتيجة، ثانياً: جودة بقية مُكونات البيئة والعملية التعليمية من (خطط، وبرامج، وتخصصات، ومناهج، وأساليب تعليمية، وأدوات ووسائل، وتقنيات، وبرمجيات) نوعية ومُستحدثة ومدروسة بعناية فائقة، ويجب أن تُصمم البيئة التعليمية لتكون بيئة خلاقة للإبداع والتميز في جميع مُكوناتها وعناصرها، ثالثاً: الكادر التعليمي والذي يجب أن يتمتع بالتخصصية الدقيقة، والمعارف، والمهارات، والخبرة والتمرس في مجال الاختصاص، فمُنطلق أي عملية تعليمية ناجحة هي كادر تعليمي خبير ومُتميز، رابعاً: مُخرجات الإنتاج المعرفي والبحث العلمي للجامعة من (حلول، وابتكارات، واستشارات، وخدمات)، والتي يُفترض بها تقديمها لكافة مُكونات المُجتمع ذات العلاقة في نطاق اختصاصاتها المطروحة، والتي لا تتم إلا بوجود استثمار مصلحي مُتبادل وتكاملي، خامساً: الشراكات والمشاريع والتبادل الأكاديمي على صعيد المُدرسين والطلبة، والمنح المُقدمة، إضافة إلى التوءمات والبرامج الثُنائية، والأبحاث المُشتركة المحلية، والإقليمية، والعالمية مع مختلف القطاعات العامة والخاصة والأهلية.
خُلاصة القول إن أي عملية "تسويق أكاديمي" للخدمات التعليمية الجامعية لا تأخذ بعين الاعتبار معايير ترسيخ السُمعة الأكاديمية تلك، والتي تتنافس فيها الجامعات العالمية المرموقة من خلال جملة من المُؤشرات، والمقاييس، والمعايير في هيئة تصنيفات عالمية ودولية، بحيث تُجريها وتنشر نتائجها سنوياً شركات وجهات دولية عالمية مُختصة بجودة عملية التعليم والتعلم وأثرها في عملية التنمية المستدامة وتحقيق ما يُعرف عالمياً (بالأهداف الإنمائية الألفية السبعة عشر- (17 SDGsللأمم المتحدة، ما هو إلا "تسويق تجاري" بحت طالب يُساوي قسط فشهادة، فالجامعات المُحترمة لا يليق بها هذا النوع من التسويق، فالتعليم وإن كان حق للجميع، فإن له واجبات ومُتطلبات ومعايير أيضاً، والجميع فيه ليسوا بنفس المُستوى والقُدرات ليكنوا فيه مُجرد عابري سبيل.