الكاتب: شفيق التلولي
اجتمعنا ثلاثتنا، الصديقان عبد الله تايه، محمد نصار، وأنا، في بيت "غريب عسقلاني" أو دار الوحدة كما يحلو له تسميته، شنفنا آذاننا بعطر حديثه الشجي، تنشقنا رائحة كتبه المنبعثة في المكان، ارتشفنا قهوتنا على مهل، كان غربب مبتهجا، وصحته على ما يرام وذاكرته متيقظة، يمسك بيده كتابا كان يقرأه قبل أن نصل، تطرقنا للسياسة وتناولنا وجبة دسمة من الأدب الذي نحب، ثم استودعناه ومضينا، وقفنا ثلاثتنا بباب البيت، عبرنا عن سعادتنا بوضع غريب الصحي الجيد واستعادته لياقته وذاكرته؛ لعله يكون مدعاة لاستئناف دعواتنا له لموائد الأدب، وانصرف كل منا لحال سبيله.
كان علي أن أودع عربتي لغسلها بمغسلة على مقربة من بيت غريب، شرعت بإفراغ حقيبة العربة حتى يتسنى للعاملين بالمغسلة تنظيفها، فعثرت على مصحف كنت أحتفظ به كهدية لغريب من إحدى الأصدقاء، آثرت أن أعطيه هديته "كتاب الله"، ترجلت إلى بيته، استغرب عودتي، أعطيته المصحف وقلت له هذه الهدية تخصك، ابتسم بتؤدة وشرع يقرأ ما تيسر من آيات الكتاب آخر ما وقع بيده، ثم عدت أدراجي للمغسلة حيث عربتي، كان الصديق عبد الله ابو الهنود بانتظاري بعدما وصل لتوه لغسل عربته أيضا، وتمنى لو أنه رافقنا لغريب.
بعد يومين اتصل غريب بعبد الله يسأله عن روايته الجديدة، كان يظن أننا كنا في زيارته ذاك اليوم، غير أن عبد الله صوب له الأمر بأننا كنا قبل يومين، قال لي ابنه سامر إنه طلب منه أن يتصل باكرا بمحمد نصار ليأتيه عند الساعة الثامنة صباحا كي يراه، بينما أخبرني حفيده أنه اتصل بي في ذات الليلة، لم يصلني هاتفه، ليتني عرفت لكنت هاتفته قبل أن يمضي.
صباح اليوم التالي هاتفني الصديق مراد سوداني باكرا؛ يستوضح نبأ وفاة غريب عسقلاني، تبعه الصديق عبد السلام عطاري؛ يودا التأكد من صحة النبأ، هرعت لبيته الذي لا يبعد عن بيتي سوى فراسخ معدودات، طرقت الباب فلم يرد، اتصلت بهاتفه ليرد ابنه سامر قائلا توفي أبي يا شفيق، ركضت صوب مشفى الشفاء؛ علني أقبل رأسه قبل أن تجف الدماء في عروقه.
ثلاثة أيام مضت وأنا في بيت العزاء أبحث عن غريب بين المعزين الذي وجدته حكاية كل واحد منهم، ثلاثة أيام ومنصات التواصل الاجتماعي تشتعل ترثي غريب، تسبر أغوار عالمه، أما أنا فما زلت أستعيد اللقاء الأخير في انتظار لقاء آخير.