الكاتب: بثينة حمدان
يكرموننا ونحن من وجب علينا تكريمهم وتبجيلهم واسنادهم واعلاء صوتهم، يشكروننا ونحن من وجب عليه شكرهم وتقبيل أيديهم وتذكرهم صباحاً ومساء، وفي أيام السنة كلها، حيث يعيشون تفاصيل الاعتقال ومرارة الفقدان، وظلمة الجدران وقسوة السجان.. ورغم كل هذا يأتي صوتهم دائماً موحداً ناطقاً بالحق والعدل، في كل مراحل النضال ومواجهاتنا المختلفة مع الاحتلال بين اجتياح وآخر، بين حصار وآخر، مفاوضات وشروط ومؤتمرات دولية هنا وهناك.. يخرج صوتهم دوماً، صوت الأسير المثقف الواعي المكتمل والبنّاء، يصل صوتهم عبر الهواتف المُهرّبة والتي يُعاد تهريبها مرة تلوة المرة في توق مستمر للحرية.
لقد كرّمت الهيئة التنظيمية العليا لأسرى حركة فتح في سجن عوفر عبر اقليم حركة فتح في محافظة أريحا والأغوار وبقيادة المحافظ جهاد ابو العسل وحضور مثقال سيف نائب أمين سر إقليم حركة فتح في أريحا وناصر ابو بكر نقيب الصحفيين وبحضور عدد من شخصيات المدينة وأهالي الأسرى، كرموا مجموعة من الشخصيات والمؤسسات الاعلامية والشخصيات المؤثرة في مسيرة الأسرى.
وسط جمهور نوعي، في قاعة الاستقبال في مبنى محافظ أريحا، حملنا الدروع التي أمضى الأسرى شهوراً ربماً وهم ينسقون للاحتفال والتكريم عبر "الدقائق المهرَّبة" رغماً عن أنف السجّان!
نستطيع أن نقرأ في هذا الاحتفال رسائل كبيرة بكلمات قصيرة تتخطى فكرة التكريم وتتخطى الأسماء المكرّمة؛ أولهاً أننا أي نحن من يعيش خارج القضبان لن نكون أحراراً إذا لم ندرك حقاً أن الحرية الحقيقية ليست الحياة خارج القضبان، وأن القضبان ليست السجن الفعلي، بل أن الحرية تبدأ من هنا حيث نزرع أفكارنا، وكنت دائماً في الحملات التي أطلقتُها أو شاركت بإطلاقِها أؤمن بأن التحرر من الاحتلال لا يمكن أن يكون دون أن نحرر أفكارنا ونساءنا وأبناءنا من الفكر المظلم.
نقرأ في التكريم أن أسرانا محررين من داخلهم، أقوياء، أشداء أكثر منا، نقرأ أنهم أوفياء بمشاعرهم، مرهفين في الوقت ذاته يقدرون كل فعلٍ لأجلهم، وكل كلمة تساندهم وكل وقفة معهم هنا وهناك.
نقرأ في التكريم أن الاعتقال والعزل والظروف القاسية لا يمكن أن تكونَ حاجزاً ضد استمرار الحياة أو ضد أن تكون انساناً يُحب ويكره، يفرح ويغضب، يضحك ويبكي، يعيش الأفراح والأتراح تماماً كما لو كان خارج القضبان..
نقرأ أيضاً أن معظم أسراناً اختاروا هذه الطريق التي تجعلهم أحياء طبيعيون، يعيشون حياة منظمة بين القراءة والدراسة وممارسة الرياضة، وتناول غذاء صحي قدر المستطاع وضمن المتوفر، يهتمون بالنظافة، يتابعون الأخبار، يتواصلون مع العالم الخارجي، يُقَسِّمون أوقاتهم ويخصصون منهاً زمناً ليعيشوا خيالاتهم في الواقع، يمارسون كل الطقوس التي يحبون.. ولا يترددون في مساعدة اخوتهم في العالم خارج القضبان.
نقرأ أنهم يعيشون.. ويعيشون.. وعبر الدقائق المهربة يحولون الدقيقة إلى حَدَثٍ اعلامي عبر شاشات التلفاز ويجلسون لمشاهدة ما خططوا له حتى لو كان ذلك "حفل تكريم"، شارك بتنظيمه الكثيرون من أبناء المحافظة.
ونقرأ أخيراً أن اتصالاً من الأسرى وطلباً صغيراً بتنظيم التكريم مثلاً.. يعني التنفيذ بلا تردد.
وعلى المستوى الشخصي أقرأ أنني أعيش محطة مهنية جديدة ومختلفة، تتطلب مني مسؤولية أكثر ككاتبة وناشطة وفاعلة في هذا المجتمع. كنت أعتقد أن أكثر ما يفرح الكاتب هو جائزة ما، أو ربما تذكر أحد القراء نصاً لي كتبته قبل سنوات وهذا يعني أنني مؤثرة ولي بصمة، لكن لم أكن أعلم أو أتوقع أن متابعة أسرانا لما نكتب ومجرد قراءتهم لاسمي، ومن ثم تكريمي! نعم سيكون هذا اليوم استثنائياً في حياتي وعهداً جديداً متجدداً لدعم قضايا أسرانا وأسيراتنا في سجون الاحتلال.
كامل الحرية لهم ولهن.. والحرية لنا أيضاً!!