الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الرئيس أبو مازن: ما له وما عليه

نشر بتاريخ: 01/07/2022 ( آخر تحديث: 01/07/2022 الساعة: 16:55 )

الكاتب: د. إبراهيم أبراش

في الوقت الذي تقف دولة الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية موقفا سلبيا من الرئيس أبو مازن بسبب موقفه السياسي وعدم تجاوبه مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية لتسوية الصراع يواجه الرئيس انتقادات داخلية لأنه غير صارم في مواجهة الأمريكيين والإسرائيليين كما يتم تحميله المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن كثير من الأمور منها: -

1- استمرار تراجع القضية الوطنية بعد توليه رئاسة السلطة وحيازته لكل الرئاسات – منظمة التحرير والدولة والسلطة وحركة فتح- .

2- وصول العملية السلمية لطريق مسدود ومواصلة إسرائيل عمليات الاستيطان والتهويد بوتيرة سريعة .

3- استمراره في الالتزام باتفاقية أوسلو بالرغم من تهديداته المتكررة بالتحرر من التزاماتها.

4- تردي الوضع الاقتصادي في الضفة وغزة.

5- تكريس الانقسام السياسي والجغرافي والمجتمعي.

6- استمرار ضعف حركة فتح ومنظمة التحرير.

7- تعطيل الانتخابات العامة.

8- تواصل التطبيع العربي مع إسرائيل.

9- قرارات الأمم المتحدة بدون تنفيذ.

10- تراجع الدور الوطني للسلطة والحكومة

ولكن هل كانت الأمور قبل أن يتسلم الرئيس مقاليد السلطة على ما يرام؟ وهل كل ما جرى ويجري يتحمل أبو مازن مسؤوليته؟

صحيح، إن أبو مازن باعتباره رئيس كل الرئاسات والمحتكِر قانونياً سلطة اتخاذ القرارات الاستراتيجية يتحمل مسؤولية عما يجري، وصحيح أن محمود عباس كان متواجداً كأحد قيادات حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية عند توقيع اتفاقية أوسلو والاعتراف بإسرائيل عام 1993، ولكن هذه المسائل تشكل السياسة والاستراتيجية الرسمية لكل النظام السياسي الرسمي المتمثل في منظمة التحرير وكانت في عهد الرئيس الراحل أبو عمار وبموافقته ورضاه، إنها سياسة نظام سياسي وليس سياسة أبو مازن فقط، وكل الأحزاب التي شاركت في الحكومات المتعاقبة للسلطة الوطنية جزء من هذه السياسة وتتحمل جزءاً من المسؤولية.

اعتبار الرئيس أبو مازن مسؤولاً عن كل شيء قد يؤدي إلى تجاهل حقيقة أن الاحتلال الصهيوني أصل المشكلة وسبب كل المعاناة الفلسطينية ولو لم يكن احتلال ما كانت كل هذه المعاناة، والمشكلة بالنسبة للوضع الفلسطيني الداخلي تكمن في الانقسام والصراع على تمثيل الشعب ثم على السلطة أي في المنظومة السياسية برمتها سلطة ومعارضة، وتغيير الرئيس مع بقاء المنظومة على حالها قد يُحدث حراكاً في الوضع السياسي ولكن ليس من المؤكد أنه سيغير الأوضاع كثيراً.

لن يتغير الأمر وستبقى القضية الوطنية على حالها إن تغير أو غاب الرئيس واستمرت منظمة التحرير بمجلسها الوطني ولجنتها التنفيذية وفلسفتها السياسية على حالها، ولن تتغير أوضاعنا إن ذهب الرئيس واستمر تنظيم حركة فتح على حاله، لن يتغير شيء إن غاب الرئيس وبقي الانقسام واستمرت حماس تُنَازِع المنظمة على التمثيل وتطرح استراتيجية مخالفة لاستراتيجية منظمة التحرير وتصادر قطاع غزة، لن يتغير شيء إن ذهب الرئيس واستمرت السلطة بدون مجلس تشريعي، لن نخرج من عنق الزجاجة إن تم تغيير الرئيس وبقي النهج السياسي على حاله، لن تتغير الأحوال إن ذهب الرئيس واستمر الشعب وأحزابه يتسولون المساعدات من الجهات المانحة وبشروطها و مرتهنة لأجندة خارجية.

تغيير الرئيس فقط دون إعادة النظر في مجمل المنظومة السياسية سيؤدي لأن تُنصِّب الطبقة النافذة في النظام السياسي رئيساً جديداً ملتزماً باتفاقية أوسلو والتنسيق الأمني وحل الدولتين، وسيستمر تأزم وشلل النظام السياسي، ويتحول الرئيس أبو مازن، سواء كان حياً أو ميتاً، لكبش فداء وتحميله كل أوزار المرحلة.

وهنا نستحضر ما جرى مع الرئيس أبو عمار قُبيل محاصرته ثم تصفيته سياسياً وجسدياً، حيث التقت أو تقاطعت انتقادات البعض الفلسطيني للرئيس ياسر عرفات ومطالبتها بإنهاء سلطته أو تحجيم صلاحياته بسبب الفساد وسوء الإدارة كما يزعمون مع مخطط شارون بموافقة أمريكية بالتخلص من أبو عمار، و تم التخلص من ياسر عرفات، إلا أن الأمور من بعده ازدادت تدهوراً على كافة المستويات: فلا عملية السلام تحركت، ولا أداء السلطة تحسن، ولا عمليات المقاومة توقفت أو حققت إنجازات حقيقية، ولا الأوضاع المعيشية تحسنت، كما استمر تدهور أوضاع منظمة التحرير وتنظيم حركة فتح ...، وهذا يؤكد أن المشكلة لم تكن في الرئيس أبو عمار، وهي اليوم ليست في الرئيس أبو مازن فقط بالرغم من الاختلاف بين الرئيسين في النهج السياسي والسمات الشخصية .

إن كان الرئيس لا يتحمل منفرداً كل ما نتج عن توقيع اتفاقية أوسلو ولا يتحمل لوحده كل أخطاء السلطة، ولا المتغيرات التي طرأت في المنطقة كالتطبيع مثلا إلا أنه يتحمل مسؤولية في بعض القضايا، مسؤولية مباشرة لأنه صاحب قرار فيها أو مسؤولية غير مباشرة لأنه كان يستطيع منعها ولكنه لم يفعل، ومن هذه الأمور:

1- ضعف ثقته بقدرات الشعب الفلسطيني جعلته حذراً في اعتماد نهج المقاومة الشعبية حتى بوسائلها السلمية.

2- تهميشه للمؤسسات والعمل المؤسساتي حتى داخل منظمة التحرير وحركة فتح وتفرده غالباً باتخاذ القرارات.

3- يتحمل جزءاً من المسؤولية عن حالة الارباك في التعامل مع الانقسام ومع قطاع غزة بعد انقلاب حماس.

4- مراهنته كلياً على الشرعية الدولية وقراراتها بالرغم من اعترافه أكثر من مرة بأن كل القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية غير ملزمة.

5- ترتيبات و تعيينات في المناصب الدبلوماسية والإدارية العليا وفي بطانته ليست محل قبول ورضا غالبية الشعب بل تجد معارضة من داخل حركة فتح.

6- وأكثر ما يثير الاستياء تأجيله إجراء الانتخابات العامة وهو ما جعله وكأنه عقبة أمام التغيير وبالتالي يمنح المعارضين الحجة والذريعة للزعم بأنه مسؤول عما آلت و ستؤول إليه الأمور.

مطالبة البعض بأن ينهج أبو مازن نهج المقاومة المسلحة ويلغي اتفاقية أوسلو أو ينفذ قرارات المجلس المركزي ويسير على نهج أبو عمار بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2 ومحاصرته في المقاطعة، فهذا الأمر يعني إنهاء السلطة الوطنية ومؤسساتها وما تقدمه من خدمات حيث ثبت استحالة الجمع في ظل الاحتلال ما بين السلطة و متطلباتها والتزاماتها من جانب والمقاومة المسلحة واستحقاقاتها من جانب آخر، وتجربة أبو عمار شاهدة على ذلك وكيف كان مصير أبو عمار والانتفاضة عند عسكرتها ،أيضاً تجربة حركة حماس تشهد على ذلك حيث تمارس السلطة في غزة التي خرج منها الاحتلال بينما تمارس العمل السياسي فقط في الضفة حيث يوجد احتلال وهي تعلم بأنها إن مارست العمل العسكري ضد الاحتلال في الضفة وأراضي 48 ستخسر سلطتها في غزة.

أخيراً، المطلوب إعادة بناء وإصلاح جذري لكل المنظومة السياسية بمؤسساتها وأحزابها ومرجعياتها ونمط تفكيرها وشبكة تحالفاتها بما في ذلك مؤسسة الرئاسة، والمدخل لذلك، بعد فشل المصالحة، انتخابات عامة شاملة، والشعب من خلال الانتخابات يختار القيادة ويحدد استراتيجية العمل.