الكاتب: رامي مهداوي
أول مؤسسة زُرتها أثناء تواجدي في قطاع غزة هو "مركز الارادة التخصصي لاضطرابات التوحد"، وبقراءة الدراسات الخاصة التي تمت لواقع اطفال التوحد في قطاع غزة نجد بأنهم يعيشون واقع مؤلم لأسباب كثيرة أهمها: -
لا يوجد متخصصين عاملين بهذا المجال في قطاع غزة، هناك جمعيات تعمل مع اطفال التوحد وبها دمج مجموعة من ذوي الإعاقة مثل: الاعاقة العقلية، ومرض التوحد ، والاعاقة الحركية، وعدم وجود الاداء التخصصي لأطفال التوحد، عدم وجود برامج خاصة بأطفال التوحد يتم استخدامها مع اطفال التوحد، الاعتماد المباشر على العلاجات الطبية والعقاقير مع العلم انه لا يوجد علاج على المستوى العالمي لأطفال التوحد.
ومن زاوية أخرى نجد ضعف كبير جدا في مستوى التوعية في المجتمع المحلي بما يخص اضطرابات التوحد على مستوى فلسطين والوطن العربي؛ عدم معرفة الأسر والأهالي بكيفية التعامل مع طفل التوحد داخل المنزل؛ إشكاليات كبيرة على صعيد الأسرة منها إنكار حالات التوحد او اللامبالاة أو إخفاء الحالات؛ والتعامل مع اطفال التوحد في الحياة الاجتماعية بطريقة غير لائقة و تزيد من الاشكاليات السلوكية لديهم.
ومن هنا تم ولادة مركز ادارة عام 2013 من أجل تفعيل فكرة المساهمة في وضع الخيارات البديلة الانسانية؛ وتم انشاء المركز على اساس إبعاد الطفل و الاسرة عن كل المشاكل التي تم ذكرها سابقا في الحياة الاجتماعية و الضعف الكبير على المستوى الاسري.
الإرادة هي فعل! باشرالمركز بانتقاء مجموعة من الكوادر الفنية والاكاديمية من خلال المسابقات و تدريبها على افضل الطرق والاساليب و الاستراتيجيات في التعامل مع اطفال التوحد و تم اعتماد افضل برامج التقييم على المستوى العالمي لأطفال التوحد وهو برامج (TEACCH) و اعتماد برامج تحليل السلوك التطبيقي (ABA) و هو الاشهر عالمياً في التعامل مع اطفال التوحد، بالإضافة الى تدريب اهالي اطفال التوحد على أفضل الطرق والاساليب في التعامل مع اطفال التوحد وتفعيل آليات المتابعة المستمرة لكل المتخصصين و الاهالي.
ما رأيته بعيني هو ما جعلني أكتب هذا المقال، تحقيق الكثير من الانجازات التي نضاهي بها على مستوى دولي حيث تم دمج مجموعة كبيرة من اطفال التوحد في الحياة الاجتماعية والمدرسة وتمكن الاطفال من إدارة حوار باللُغتين الانجليزية والعربية هذا بالإضافة الى المجهود الكبير والمتواصل في نشر الوعي باضطرابات التوحد المتواصل عبر السنوات السابقة.
تحدثت معهم على أهمية الحضور الاعلامي على المستوى المحلي والدولي وكل الوسائل المتاحة من الاذاعات و الفضائيات وورش العمل والندوات واللقاءات والدورات حيث ساهم ويساهم ذلك في تحقيق الوعي.
الاثر واضح و ملموس على ما يقومون به اذا ما علمنا ان الاطفال الان ينتسبون الى المركز من عمر السنتين الى ثلاث سنوات بخلاف عام 2013 كان الاطفال ينتسبون الى المركز في اعمار كبيرة مثل: 7 سنوات او 8 سنوات حيث بدت الملاحظة مبكرة على الاطفال وذلك يساعد على تحقيق نتائج افضل من الاعمار المتأخرة وكل ذلك بفضل برامج التوعية والحملات التوعوية التثقيفية المتواصلة .
ومع كل هذه النجاحات الملموسة والمهمة على صعيد الصحة المجتمعية بأبعادها التنموية؛ لكن للأسف هناك امور ومواقف معيقة لمسيرة التقدم والنجاح يعاني منها مركز الارادة، هذه الفئة المستفيدة من اطفال التوحد بالمركز قليلة جدا لا تتجاوز الخمسين طفل و لديهم مئات من الاطفال على قائمة الانتظار من كل محافظات قطاع غزة لم يتمكنوا من الانتساب للمركز الحصول على الخدمات التخصصية لان ظروفهم المادية وأوضاعهم الاقتصادية لا تسمح لهم بالانتساب في المركز و ليس لديهم القدرة على الايفاء بالالتزامات المالية للمركز وذلك لضعف المستوى الاقتصادي الكبير التي يعيشه قطاع غزة بفعل الحصار وكل العوامل الاجتماعية الاقتصادية التي لا تخفى على احد و التي تؤثر تأثير سلبي و كبير على انتساب الاطفال الى مركز الارادة .
هذا المقال يهيب بكل من لديه حس انساني وكافة المؤسسات الرسمية والخاصة وكل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الاهلية وكل أهل الخير للوقوف جنباً إلى جنب مع اطفال التوحد بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص حتى يتمكن مركز إرادة وكل المؤسسات العاملة مع هذه الفئة من تقديم الخدمات التخصصية الى أكبر قدر ممكن من اطفالنا، وأنا من ناحيتي جاهز لمد الجسور والعمل لمن لديه إرادة للعمل.
هذا المقال إهداء الى أطفال مركزالإرادة الذين علموني المعنى الحقيقي لكلمة الإرادة.