الكاتب: عوني المشني
دأب الرئيس محمود عباس على اصدار قوانين بقرار استنادا لتكييف - لا اعلم مدى دستوريته - يعطي الحق للرئيس باصدار ذلك في ظل غياب او تعطل المجلس التشريعي ، وصدر حتى اليوم مئات القوانين بهذه الطريقة ، كثير من هذه القوانين كانت اشكالية ولاقت اصداء مختلفة ، بعضها تم التراجع عنها تحت ضغط المعارضة الواسعة لها ، بعضها تم تجميد تطبيقها ، ولكن وامام التوسع الهائل في هذا التوجه تبرز كثير من الملاحظات والاستخلاصات …..
كان يمكن فهم ان هذا الوضع مؤقت ، والقرارات التي تحمل صفة الاستعجال يمكن ايجاد تبرير لها ، لكن ان يتواصل غياب المجلس التشريعي لسنوات وبدون اي افق لاعادة هذا المجلس بالانتخابات فهذا يعني ان القانون بقرار تحول الى امر شبه دائم وبدون مراعاة صفة الاستعجال ، وبذلك تم " اغتصاب صلاحيات المجلس التشريعي بدون " قانون بقرار " بل بفعل الامر الواقع ، ويوجد اشارات لهذا التوجه عبر اعادة تكييف وضع بناية وموظفي المجلس التشريعي الى المجلس الوطني المعين اعضاءه باغلبيتهم تعينا مزاجيا بدون اي تبرير قانوني او حتى وطني .
ثاني هذه الملاحظات ان توجهات القوانين بقرار بدأت في المرحلة الاخيرة تأخذ ابعادا تغير في النظام السياسي الفلسطيني ، المس بشكل واضح بالنظام القضائي ، انشاء ديوان مستقل للجريدة الرسمية ، تعينات في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، كل تلك بمجموعها تشير بشكل لا يقبل الشك بان هناك اعادة صياغة للنظام السياسي الفلسطيني بما يجمع الصلاحيات للسلطات الاربعة ، التنفيذية ، التشريعية ، القضائية ، والسياسية - منظمة التحرير - . تجميع هذه الصلاحيات بيد الرئيس وبدون اي رقابة او محاسبة او حتى نقاش .
هناك ملاحظة وهي انه بالرغم من كثافة القوانين بقرارات فان الرئيس يغفل اصدار قانون بقرار حول كيفية ملئ الفراغ الرئاسي في حال شغور موقع الرئاسة لاي سبب كان ، فبعد حل المجلس التشريعي اصبحت هذه القضية لها صفة الاستعجال . موقع رئيس المجلس التشريعي اصبح شاغرا وبالتالي لا يوجد من يحل مكان الرئيس لمدة ستون يوما لحين موعد الانتخابات ، والاخطر ان حركة حماس في غزة لا تعترف بحل التشريعي وبالتالي ستعتبر ان رئيس المجلس هو الرئيس في حال شغور موقع الرئاسة . ان ابقاء هذه القضية دون وضع اساس قانوني للتعاطي معها له احد مدلولين : الاول ان هناك ما هو قيد التحضير لتمريره ويحتاج لبعض الوقت ، والثاني الرئيس لا يكترث لما سيحصل بعده " وليكن الطوفان " . وفي كلا الحالتين هناك استهتار ولا مسئولية في ارساء طريق آمن لانتقال السلطة لانه بدون هذا الطريق القانوني والامن فان هناك من يقامر بمستقبل شعبنا وقضيتنا الوطنية بترك هذا المستقبل في مهب الريح .
ملاحظة اخرى لا تقل اهمية يترافق هذا مع توجهات غير رسمية تضيق ذرعا بالديمقراطية والانتخابات ، الغاء انتخابات التشريعي والرئاسة ، الهجوم الواضح على انتخابات اتحادات الطلبة والنقابات …. الخ واعتبار نتائج تلك الانتخابات مقدمات " لانقلاب ناعم " .
اخذ كل تلك الملاحظات في سياق واحد يشير وبلا ادنى شك ان نظام سياسي جديد يجري صياغته اما بالامر الواقع او بقوانين بقرار او باغتصاب السلطات او بكل ذلك . نظام يستثنى فيه دور الشعب الفلسطيني في تحديد نظامه ويترك ذلك للقوى الاقليمية واكثرها تأثيرا في الحالة الفلسطينية هو الاحتلال طبعا . نظام بنيته التحتية هو الاحتكارات الفلسطينية والتي تشكل قاعدته الصلبة " والدولة العميقة" له . " راسمال احتكاري " واحتلال وطبقة سياسية طفيلية عناصر تشكيل النظام السياسي الفلسطيني . ففي ظل تجويع الشعب الفلسطيني عبر الضرائب الباهظة والفساد المستشري والاحتكارات الجشعة يجري ترسيم نظام سياسي فلسطيني جديد لا يشبه شعبنا ولا يمثله ولا يعبر عن طموحاته ، في ظل هذا فان القوانين بقرارات هي الوجه الاخر لقرارات ليس لها سند قانوني والتي تتكثف لاغتصاب حق الشعب في صياغة نظامه السياسي .