الخميس: 16/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

البحث العلمي بين معامل التأثير والمجلات المُحكّمة ومعايير التّحكيم

نشر بتاريخ: 18/07/2022 ( آخر تحديث: 18/07/2022 الساعة: 18:15 )

الكاتب: د. سعيد شاهين

كثيرة هي الأبحاث التي تُنشر تباعًا في الشرق وفي الغرب، وليست سكوبس scopus وحدها هي مَن تُحدّد معايير البحث العلميّ وجدواه وجودته ومدى انتفاع العلم والمجتمع به.
وليست اللغة الإنجليزية معيار تميّـز البحث من عـدمه، كونها اللغةَ الأكثرَ رواجًا في العالم وبخاصّةٍ في عالمنا العربيّ، والتي يعتبرها الكثيرون مقياسًا لثقافة الباحث وسَعة معرفته من عـدمها.ولستُ ضدّ اللغة الإنجليزية، التي هي إحدى أهـمّ أدوات العَـولمة الثقافيّة، أو إن أرَدنا التوصيف بشكل أدقّ ( أمركة الأبحاث العلميّة).
تخضعُ أبحاث العلوم الإنسانيّة في مجلات الغرب الأطلسيّ لمعايير تحكيم بعيدة كلّ البعد عن الموضوعيّة عندما يتعلّق الموضوع بالسّياسة والدين والثقافة والاجتماع من منظور شرق أوسطيّ، عربيّ أو إسلاميّ، والسّبب أنّ بعض الأبحاث المراد نشرها في مجلات ذات معامل تأثير عالية تنظر بحساسيّة بالغة لموضوع الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ من منظور معاداة السّاميّة بسبب سطوة جماعات الضّغط الصّهوينيّة واللوبيات المحالفة معها و المنتشرة في هيئات تحريرها، أو التي تعمل على مراقبة النشر فيها لهذه الموضوعة عن بُعـد.
إنّ ظهور فكرة “معامل التّأثير”، التي هي مقياس لأهمّيّة المجلات العلميّة المحكّمة ضمن مجال تخصّصها البحثيّ ومدى اعتماد الأبحاث العلميّة التي تُنشر حديثًا على عـدد الاستشهادات citation التي يُشار فيها إلى البُحوث المنشورة في تلك المجلات قد أوجدتها شركة تومسون رويترز Thomson Reuters corporation التي باتت تُعـرف ب (كلارينيت)، ومقرها منهاتن، وتملك (30٪) من بورصة نيويورك، وبلغت أرباحها لهذا العام (مليارًا و 800 مليون) والرئيس التنفيذيّ لها هاكسر .وكذلك يُحدد مدى القدرة على الاعتماد على مصادر المعلومات الخاصّة بكلّ مجلّة.ومن هنا أصبحت المجلّة التي تملك معامل تأثير مرتفعة تُعـدّ من المجلات المهمّة في مجال تخصّصها.
ورغم تعدد قـواعد بيانات المجلات التي تقع ضمن معايير علمية رفيعة المستوى تمكن الباحثون من الاختيار بين الغثّ والسّمين من بين آلاف المجلات العلميّة المحكّمة التي تتبع جامعات ومراكز بحث وقواعد بيانات، ولديها معامل تأثير عالية مثل سكوبس scopus التي وجدت لغرض التسهيل على الباحثين اختيار مجلات تمتاز بالالتزام بمعايير محددة تدخل ضمن سكوبس وكلاريڤيت وجوجل سكولار، إلا أنّ هناك أسئلة كثيرة حول نزاهة هذه المؤسسات والشركات وأهدافها و موضو عيّتها.
وربّما من بين أبرز الإجابات عن هذه الأسئلة ، أنّ مجلات جامعة هارفرد وكامبردج ولومونوسڤا وغيرها من الجامعات المشهورة لا تدخل ضمن هذه التصنيفات، فلماذا إذاً نتشدّق بالهرولة إليها؟
ثــمّةَ مَن يقول: إنّ هذه المؤسسات هي صنيعة صهيونية، هدفها جمع الأبحاث واستثمارها لصالح دول بعينها مثل إسرائيل، مستشهدين بذلك على أنّ سكوبس هو اسم جبل سكوبس في القدس وما يحمل من قيمه توراتية لدولة الاحتلال، إلى جانب الأخوين: تومسون اللذينِ يعودان إلى أصول يهودية.
إنّ عدد الاقتباسات citations عامل مهم لأصالة البحوث وأهميّتها وقيمتها للعلم في المجالات التطبيقية والإنسانية، والاقتباس لا يتمّ فقط من خلال هذه الشركات الدولية وكأنّها قدرنا، بل يمكن أن يتمّ من خلال مواقع المجلات العلمية المختلفة على الشّبكة العنكبوتية ومحركات البحث والمكتبات الإلكترونية وقواعد البيانات المتعددة.
لا شكّ أنّـه وفي عالم، فضاءاته مفتوحة تصبح مسألة النشر الدّوْليّ ومعامل التأثير impact factor والاستشهاد citation من العوامل الهامة للباحثين والجامعات على حدٍّ سواء، فالجامعة تسعى الارتقاء بمكانتها العلميّة من خلال أبحاث أكاديمييها وانتشارها في قواعد البيانات ذات معامل التأثير العالية، والباحث يسعى إلى نيل درجة علميّة أعلى عَبر أبحاثه المتميزة والأصيلة.
يسعى الباحث إلى خَلْق قيمة علمية لنفسه من خلال الأبحاث التي يُنجزها في مجال اختصاصه، وإلى نيل درجة علمية، وفي الوقت نفسه تحصل الجامعة على كادر علميّ رفيع المستوى عَبر ترقية الباحث، والحصول على مستوى متقدم بين الجامعات الاخرى على الصعيد الوطنيّ والإقليميّ والدّوْليّ من ناحية أعضاء الهيئات التدريسيّة الحاصلين على درجة (أستاذ مشارك وأستاذ وأستاذ متميز).
لكن يصطدم الباحث بإجراءات بيروقراطية عند التقدم للترقية، أهمّها إعادة تحكيم أبحاثه التي سبق، وتمّ تحكيمها عند النشر مع كشف اسم الباحث للمحكّمين، بحيث يسعى بعض منهم إلى عرقلة ترقية زملاء لهم لأسباب متعددة، أولها شخصيّة قد تكون، وثانيها اختلاف المدارس البحثية ما بين التقليديّ والحديث إلى الإنسانيّ والتطبيقيّ.
فعند الحديث كمثال عن البحوث الإعلاميّة فهي تشمل الكمّية والنوعيّة من المناهج التاريخية، الاستقرائية، الإمبريقية إلى الوصفية ( الكمية والكيفية) والتجريبية وغيرها....
فالجيل القديم من المحكّمين يميلون إلى الاستقرائيّ والتاريخيّ... بينما الجيل الجديد يميل إلى البحوث الوصفية، وتحديداً تحليل المضمون والمسحية والمنهج المقارن، وهنا يقع الباحث ضحيّةً لهذا الاختلاف، ممّا يؤثر سلباً على حصوله على الترقية التي ينشدها.
إذًا المطلوب هو اعتماد معامل التأثير العربية أولا، ومن ثَــم الدَّوْلية، واعتماد معايير وإجراءات موحدة للترقية، لا تكون خاضعة لأمزجة بعض المحكّمين واختلاف مدارسهم العلميّة، بل لمصلحة الجامعة المتمثلة في زيادة أعداد الدرجات العلميّة العليا، التي تُسهّل الحصول على برامج أكاديمية متعددة من الماجستير إلى الدكتوراه، وتدفع الجامعة إلى تبوّءِ مكانة مرموقة بين بقية الجامعات، وليس الاعتماد على كوادر خارجية ذات درجات علمية عالية.