الخميس: 16/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

ما هو الهدف من التعديلات على القوانين الاجرائية ؟؟

نشر بتاريخ: 20/07/2022 ( آخر تحديث: 20/07/2022 الساعة: 12:52 )

الكاتب: فضل سالم نجاجرة

من نافلة القول ان رسالة القضاء و الهدف المرجو من عملية التقاضي برمتها هو تحقيق العدالة للمتقاضين وايصال الحقوق لاصحابها ، ولتحقيق هذه الغاية وضعت القوانين الاجرائية التي تنظم سير عملية التقاضي بدءا من تسجيل وقيد الدعوى مرورا باجراءات الاثبات حتى اصدار الحكم وضمان تنفيذه ، دون الاخلال بضمانات المحاكمة العادلة وضمان حقوق الاطراف بتقديم بيناتهم ومناقشة بينات الخصوم ليتمكن القاضي من استجلاء الحقيقة ، وعلى ذلك يتضح انه لا يمكن لعملية التقاضي السير بشكلها الطبيعي ما لم يوجد قانون اجرائي يبين حقوق وحدود كل طرف من اطراف العملية القضائية ، وهم هيئة المحكمة والخصوم و/ او ممثليهم سواء كانوا نيابة عامة او محامين مع توفير الاحتياجات اللوجستية الاخرى لتسهيل عملية التقاضي .

وفي سنوات عملي – محام وقاض – ازعم انني درست وطبقت القوانين الاجرائية – اصول المحاكمات المدنية والاجراءات الجزائية وقانون التنفيذ – و التي كانت تحقق ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين وتحقق التوازن بين اطراف عملية التقاضي بشكل جيد ، الا ان سنوات التطبيق والتطور الحاصل على كافة مناحي الحياة اظهرت الحاجة الى ادخال بعض التعديلات اللازمة عليها بما يحقق الهدف والغاية منها .

وبذات السياق ، فانني ازعم انني اطلعت جيدا على التعديلات المقرة على القوانين الاجرائية وقانون التنفيذ ، والتي جاءت بتغييرات جوهرية على ما تضمنته القوانين الاجرائية النافذة ، واحدثت خللا واضحا في عملية التوازن بين اطراف العلاقة واهدرت الكثير من ضمانات المحاكمة العادلة خلافا للقانون الاساسي ، والاتفاقيات الدولية التي انضمت اليها دولة فلسطين ، بدءا من عملية تسجيل الدعوى وتبادل اللوائح وما تضمنته التعديلات من قواعد للتبليغات لا تضمن التبليغ الفعلي للاطراف ، وتبادل اللوائح وما تضمنته التعديلات من الزام الاطراف بتقديم بيناتهم بشكل مسبق ، ومصادرة حق هيئة المحكمة في التقرير بشان اي بينة مستجدة ، ومرورا باجراءات التقاضي واهدار مبدا شفوية المرافعة باتاحة المجال لاستبدال تقديم الشهود ومتاقشتهم بتصريح خطي خارج مجلس الحكم ، والزام المتهم - وهو الطرف الاضعف في المنظمة كلها -باحضار شهوده بنفسه ، واهدار مبدا علنية المحاكمة بتحويل محكمة الاستئناف لنظر الدعوى تدقيقا بما يتضمن ايضا الغاء درجة من درجتي التقاضي في فلسطين ، ومصادرة صلاحية محكمة النقض في اعمال رقابتها على العديد من الاحكام الصادرة عن محاكم البداية بصفتها الاستئنافية بان ارتبط حق النقض بصدور اذن بالنقض دون وجود معايير او محددات لمنح الاذن او رفضه ، وليس انتهاءا بافراغ التنفيذ من مضمونه والاخلال بالتوازن بين الدائن والمدين ، الامر الذي من شانه خلق حالة من الفوضى القانونية والفلتان الامني .

كل هذه التعديلات صدرت في ظل نص المادة 43 من القانون الاساسي ، بمعزل عن الاخذ براي اطراف عملية التقاضي ، الامر الذي اثار لدي التساؤل عن الهدف المرجو من اقرارها ؟؟؟ وهل لا زال الهدف هو تحقيق رسالة القضاء المتمثلة في تحقيق العدالة للمتقاضين ؟؟؟ ام ان الهدف هو مجابهة حالة الاختناق القضائي الناتجة عن عديد الاسباب ؟ والحرص على كم الاحكام الصادرة على حساب جودة الحكم ؟ والبت في القضايا بصرف النظر عن تحقيق العدالة للمتقاضين ؟؟؟

لقد اعدت نقابة المحامين بصفتها احد الشركاء في عملية التقاضي واحد اعضاء المجلس التنسيقي لقطاع العدالة ورقة تضمنت ملاحظاتها على التعديلات ، واقترحت صيغا مناسبة لعملية التقاضي تلائم احتياجات المتقاضين ، كما اعدت الهيئة الفلسطينية المستقلة ورقة بملاحظاتها هي الاخرى ، وتم تقديم تلك الملاحظات للمجلس التنسيقي لقطاع العدالة لدراستها وموائمتها مع القانون بما يخدم عملية التقاضي ويمكن المتقاضين من الوصول الى حكم منصف .

الا ان الاصرار على تطبيق التعديلات قبل الانتهاء من دراسة الملاحظات الواردة عليها من الاطراف ذوي العلاقة ، ادى بنقابة المحامين الى تعليق العمل المتواصل بغية الوصول الى تفاهمات حول التعديلات الضرورية الللازمة لتسهيل عملية التقاضي وتحقيق رسالة القضاء بتحقيق العدالة للاطراف .

وعلى ضوء الملاحظات التي اعتقد جازما انها ملاحظات جدية وجوهرية نابعة عن حرص الاطراف على جودة العمل القضائي ، فاعتقد انه لا مناص من استكمال الحوار والوصول الى صيغ عادلة تمكن المحاكم من تحقيق رسالتها على اكمل وجه ، وتحرص على توافر ضمانات المحاكمة العادلة ، والموازنة بين حقوق ومصالح جميع الاطراف ، تحقيقا للهدف المرجو من اقرار اي تشريع او تعديله .

* الاستاذ فضل نجاجرة : محام - قاضي سابق