الخميس: 16/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الشراكة الأمريكية الاسرائيلية توأمة مشوهة انسانيا واخلاقيا

نشر بتاريخ: 23/07/2022 ( آخر تحديث: 23/07/2022 الساعة: 15:44 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

قيل الكثير عن نجاح وعن فشل زيارة الرئيس بايدن الاخيرة للمنطقة الا ان ما يعنينا هنا هو المصلحة الفلسطينية وفي هذا السياق لا بد وان نذكر بفائدة واحدة لهذه الزيارة وهي انها انهت كل الشكوك لصالح اليقين بان السياسة الخارجية الامريكية هي سياسة منحازة وبشكل اعمى لاسرائيل سواء أكانت ظالمة او مظلومة اضافة الى ان الدعم الامريكي غير المحدود وغير المشروط لاسرائيل يؤكد على ان هذه السياسة بقيت الثابت الوحيد الذي لم يتبدل بالرغم من تبدل الادارات ديمقراطية او جمهورية وذلك منذ ان تم توظيف اسرائيل لتكون حارسا لمصالح امريكا في المنطقة بعد حرب سنة 1967.

ومع ذلك هناك ما يثير العجب في مواقف رؤساء امريكا وصحوة ضميرهم ولكن بعد خروجهم من الادارة وانتهاء فترة رئاستهم وكأن الادارة كما فلسطين هي ايضا منطقة محتلة من قبل بني صهيون وفي هذا السياق نذكر على سبيل المثال الرئيس جيمي كارتر الذي اصبح رسولا للحقيقة ومدافعا عن القضية الفلسطينية بسبب عدالتها ولكن بعد خروجه من الادارة وهو ما ظهر جليا في كتابه فلسطين: سلام وليس ابارتهايد، اضافة الى ما سبق ذلك وتبعه من مقابلات ومقالات ومؤلفات للرئيس كارتر والتي كانت في معظمها تتناقض مع مواقف الادارات الامريكية الرسمية المنحازة بشكل اعمى لاسرائيل دولة الفصل العنصري.

الرئيس كلينتون ايضا تراجع كثيرا عن مواقفه المنحازة لاسرائيل ولكن ايضا بعد خروجه من الادارة وذلك بان انحاز ايضا لقول الحقيقة بان تراجع عن اتهامه للراحل عرفات بانه كان سبب فشل كامب ديفيد2 وبالطبع لا شك لدي بأن الرئيس بايدن لو اسعفه الزمن والذاكرة فانه سيقول في دولة الفصل العنصري اكثر ما قاله مالك في الخمر اذ ان رده على عدم قدرته على تحقيق طلبات الرئيس الفلسطيني كما ورد على لسان مسؤول امريكي على ان تحقيقها بحاجة الى السيد المسيح ، هي دليل على ان يديه كما اسلافه مكبلة عندما يتعلق الموضوع باسرائيل القوة القائمة بالاحتلال مع انني على يقين بان طلبات الرئيس الفلسطيني من بايدن تقع في ابجديات الممكن لاي رئيس امريكي لو اراد فعلا ان يمارس صلاحياته كرئيس لاقوى دولة في العالم وهو ما حصل في العراق وافغانستان ودول ضحايا الفوضى الخلاقة المسماة جزافا بالربيع العربي.

التفائل لدى البعض الفلسطيني في قدرة الرئيس الامريكي على فرض الحل للصراع الاسرائيلي الفلسطيني سببه هو ادراك لا يشوبه شك بان مجرد رفع الفيتو الامريكي عن اسرائيل كاف بان يعود معظم يهود اسرائيل الى مواطنهم الاصلية فما بالنا بان يكون هذا الرئيس هو بايدن الذي تم انتخابه بناء على وعود اهمها اصلاح ما افسده سلفه ترمب على الصعيدين الدولي والفلسطيني وفي نفس الوقت هو صاحب الخبرة الطويلة في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وهو الرئيس الذي يعرف اكثر من غيره وبسبب اشرافه على ملف الصراع ابان فترتي ادارة الرئيس اوباما وقد كان اقر بذلك في سنة 2014 بان اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال هي من يعيق او بالاحرى ترفص اي تفاوض لانهاء الصراع وتحقيق السلام .

ملخص ما سبق هو ان العلاقة /الشراكة الامريكية الاسرائيلية تفوقت على كل مفاهيم المصالح بين الدول لدرجة انها اصبحت توأمة ولكنها توأمة مشوهة انسانيا واخلاقيا وبكل معنى ذلك وهنا يحضرني ما فعلته امريكا ردا على اختطاف السفينة الايطالية اكيلي لارو في اكتوبر 1985 والقتل غير المقصود لمقعد يهودي امريكي كان على متن السفينة وما الت اليه الامور بعد ذلك ، اذ وبعد انتهاء الفصل الاول من ازمة الاحتطاف حيث ارتضى اطراف الازمة بالتسوية بعد ثلاثة ايام الا ان الامريكان اصروا على ان لا يسدل الستار بان اختطفوا الطائرة المصرية التي كانت تقل الخاطفين بعد ان تم الافراج عنهم وانتهى بهم الامر امام القضاء الايطالي الذي تولى امر محاكمتهم ورفض تسليمهم للقضاء الامريكي وانتهى الامر بعقوبة السجن للخاطفين لمدة ما بين عشرين الى ثلاثين ومع ذلك لم ينتهي الامر بالنسبة لامريكا الا بعد ان اعتقلت القوات الامريكية مخطط الاختطاف ابو العباس في العراق ابريل 2003 وبقي معتقلا لديها الى ان مات في عشرة مارس 2004 وذلك بسبب ظروف السجن الامريكي القاسية.

المرحوم ابوالعباس خطط لاختطاف السفينة ليس من اجل قتل اي كان وانما من اجل خلق حالة ضغط على اسرائيل للافراج عن خمسين من اسرى الحرية الفلسطينيين القابعين في سجون المحتل الصهيوني علما بان قتل المقعد اليهودي الامريكي كان حدثا عارضا وغير مقصود كما ورد في سياق التحقيقات ، والسبب في التطرق لهذه القصة هو لمقارنتها مع حادثة القتل العمد لشيرين ابوعاقلة وهي ايضا مواطنة امريكية ولكن من اصل فلسطيني وبينما كانت تقوم بعملها الصحفي الذي يحميه القانون الدولي ومع ذلك اسدلت امريكا الستارعلى هذه الجريمة النكراء والتي شاهد العالم كله بشاعتها بالقتل العمد وبشاعتها بالتعامل غير الانساني مع موكب جنازتها والسبب هو ان المجرم القاتل هو الكيان الصهيوني كونه شريك امريكا وهو ما يثبت كيف ان الشراكة الاسرائيلية الامريكية هي حالة اضافة الى انها مشوهة انسانيا فهي ايضا علاقة غير اخلاقية من حيث انها توفر الغطاء لدولة الفصل العنصري في الاستمرار في اقترافها لجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني صاحب الارض التي قامت عليها ولا ندري اذا كانت جريمة قتل شيرين هي تجسيد للقيم المشتركة التي تاسست عليها الشراكة الامريكية الاسرائيلية التي ورد ذكرها في "اعلان القدس" الذي وقعه الرئيس بايدن مع لبيد رئيس وزراء دولة الفصل العنصري في فندق بالاس (والدورف استوريا) المقر التاريخي للمجلس الاسلامي الاعلى والحركة الوطنية الفلسطينية .

ختاما نقول للشعب الامريكي الذي نتشارك معه في القيم الانسانية بان الرئيس الامريكي المنتخب بايدن اقر بعجزه على حمابة هذه القيم دعما لدولة الفصل العنصري وذلك بالرغم من تسبب دعمه هذا في تحد للشرعية الدولية والقانون الدولي الانساني وطعنة للدستور الامريكي.

الى ذلك نضيف بان سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الادارات الامريكية في تعاملها مع ملف الصراع الاسرائيلي الفلسطيني تحمل في ثناياها ادوات تدمير لاي امكانية للتعايش بين اليهود و سكان المنطقة وذلك لما يتسبب به استمرار الصراع من قتل للقيم الانسانية التي من المفروض ان يتشارك فيها كل سكان المنطقة لتكون سبيلا للتعايش فيما بينهم ومن اجل ذلك نقول بانه لم يعد امام امريكا وادارتها العاجزة سوى خياراخلاقي واحد وهو ان تتخلى عن ادارة ملف الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وتعيده الى حيث يجب ان يكون وهو منظمة الامم المتحدة التي ولدت اسرائيل اساسا من رحمها.