الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

يا أرض مالك.. يا أرض مالك كرهت كل سكانك..

نشر بتاريخ: 08/08/2022 ( آخر تحديث: 08/08/2022 الساعة: 17:30 )

الكاتب: تحسين يقين

يا أرض مالك..

يا أرض مالك كرهت كل سكانك..
.يوم زلازل ويوم يجرفنا طوفانك..

ماذا سيقول الموجوعون للموجوعين بعذاب الحروب!
اشتبك الناس بالعيش، في المحيط الصغير فالأكبر، فكان لا بد من منظم لا عنفي لاستمرار الحياة، في البلد الواحد والعالم، فكان الفكر، كان الأدب والفن للتعبير، وتقديم اقتراحات إنسانية لا وعظية، من أجل تجنب الآلام.
والمفروض بعد رحلات الإنسان في الحياة، أن يكون قد نضج فردا ومنظومات حكم وعلاقات دولية، فتلك هي الحضارة.
كان من الممكن فعلا تجنب الحرب في أوكرانيا، معها أو عليها، فلسنا منحازين إلا للبشر، مثلنا، والنبات والممتلكات والفرح.
كان من الممكن ألا يعاند اهل الحكم هناك دولة عظمى، وكان من الممكن ألا تتعجل الدولة تلك بقرارها، وكان من الممكن أن تبذل أوروبا دورا وسيطا، وهكذا خسر الجميع، حتى شعوب ليس لها صلة؛ فمن حرب واحدة وكان لها هذا الأثر الاقتصادي-الاجتماعي، فكيف لو اندلعت حرب كبرى!
خمسة أشهر ونحن بانتظار الحكمة.
بل زاد التشاؤم!
وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ "الوضع الذي يتكشف الآن في أوروبا بأنه الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية". وبدلا من محاولة جادة لوقف الحرب، نجد فقط مهتما ب
"يجب عدم السماح لروسيا بالفوز في الحرب في أوكرانيا ، مصلحتنا منع حدوث وضع تنجح فيه مثل هذه السياسة العدوانية". بل راح يهدد روسيا: "إذا فكر بوتين في اتخاذ خطوة مماثلة ضد أي من دول الناتو ، فإن جميع أعضاء الحلف سيردون".
وكل يوم نسمع وسنسمع بما هو صب كاز على النار.
ترى متى كتب الشاعر الغنائي الشهير بيرم التونسي تلك الكلمات؟
يا أرض مالك كرهت كل سكانك
عرفت الكلمات من ألبوم غنائي للفنان وسام مراد، الذي يبدو وجد كما نجد اليوم، أن هناك تشابها في حياة الحروب. أغنية تتحدث عن القلاقل والحروب التي تضطرب بها الكرة الأرضية، في غير مكان من العالم.
"يا أرض مالك" هي بداية الأغنية التي بدأ بها الشاعر بيرم التونسي قصيدته الأرض متسائلا فيها عن الزلازل والعواصف والبراكين، وقد رمز بها عما يحدث في عالم الإنسان من حروب ونزاعات وكراهية"
يا أرض مالك كرهت كل سكانك ..
.يوم زلازل ويوم يجرفنا طوفانك
ويوم عواصف ويوم نشيد بركانك
يا أرض مالك
هل يعقل أن يكره البيت صاحبه؟ والأرض أهلها؟
كان الرمز هنا واضحا، فما الزلازل والطوفان والعواصف إلا أفعال البشر، خصوصا من جعلوا أنفسهم أوصياء على شعوبهم، فخانوا تلك الشعوب بحكم ظالم، ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا يختلقون الصراعات الدولية.
لا يكاد يمرّ زمن إلا ونسمع أخبار حروب وصراعات تنطلق هنا وهناك، أليس هناك فعلا لتجنبها أو أو إيجاد طرق للحل؛ لأن تتبع التاريخ العام كله يقودنا أنه دوما كان هناك مجال للحلول.
يا أرض مالك، كرهت كل سكانك، لسبب بسيط، أن أي حرب صغيرة لن يكون الآخرون بمنأى عن أخطارها ونتائجها السيئة.
صيغة استنكارية في الخطاب هنا، تستنكر هذا الفعل، فهل يمكن أن يستمر هذا الجنون؟
لقاء بين الفنان المقدسي الشاب وسام مراد مع الشاعر الراحل بيرم التونسي جاء بعد عقود من تأليف القصيدة وبعد عقود من رحيل صاحبها، يثير أسئلة عن وجه الشبه بين الرض زمن بيرم التونسي والأرض زمن وسام مراد.
أما بيرم التونسي فقد وصف الأرض في زمانه، وما كانت عليه من حروب عالمية واستعمار وصراعات دولية أتت على الملايين من البشر، فأودت بهم وبأحلامهم. لكن بيرم التونسي لم يعش بقية عقود القرن العشرين ليتأكد أن الأرض بقيت على حالها ويقارن بين الارض في أكثر من زمن.
كان الشاعر بيرم من الشعراء الضاجين من النزاعات والاستعمار، وعانى من الاستعمار الفرنسي لباده الاصلي تونس، كما عانى من الاستعمار البريطاني لمصر التي أقام فيها طوال عمره. ويعاني وسام بدوره من احتلال اسرائيلي بغيض لوطنه.
هناك وجه شبه بين أرض بيرم وأرض وسام وأرضنا أيضا ثمة نزاعات وحروب وصراعات تسلب الناس أحلامهم وحياتهم وممتلكاتهم وأوطانهم وحرياتهم ... كأن الأرض دائما هكذا في صراع منذ وجدت... وإذا كانت كذلك فيجب تغيير ذلك.
في القسم الثاني من القصيدة راح بيرم التونسي يرثي جمال الأرض، حيث بهاء الأرض وحنانها وجمالها وعطائها، يتساءل باللهجة العامية المصرية

راح فين بهاكي وحلمك فين وحنانك
رحيمة فاضت لنا بالخير أتهارك
جميلة متزوقة في وشي أزهارك
طروبة تعزف لنا الأنغام أطيارك
كريمة ما بينقطع نخلك ورمانك
يا أرض ما لك
يا ارض مالك؟ بل يا بشر ما لكم؟
تمنحنا الطبيعة بمواد متجددة كل يوم، تكفي البشر الآن وغدا، لنأخذ فقط الغاز! الغاز الذي في كل فترة من الزمن يكتشف الخبراء بحورا منه، ورغم ذلك، وبدلا من أن يكون مجالا للسلام والتعاون الدولي، نرى جشع آخرين يريدون كل الموارد لهم وحدهم.
الأرض الجميلة بناسها الجميلين، الذين فقط هم المؤهلون لوقف الهدر الإنساني في الفرح، وهم الموضوعيون الذين ترتفع أصواتهم لإعادة الأمور لسابق عهدها من السلام.
هدف تحقيق السلام والهدوء والتصالح الانساني القائم على العدل واحترام حقوق الانسان.
هناك دوما تسونامي في الطبيعة والانسان، وما زال العلم يتذكر كارثة القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا علة هيروشيما وناكازاكي. لذلك فالأصل أن يتعاون البشر ضد كوارث الطبيعة ولا أن يزيدوا الكوارث والآلام، فالكوارث الطبيعية لا يمكن التحكم بها، بينما هناك مجال للتحكم بعالم الانسان ، وما نحتاجه هو الانسانية والأخلاق في التعامل الدولي. وليس الأمر مقتصرا على الدول بل على الافراد.
الأرض، في مناطق التوتر، ثمة منظومات للحكم والتحالفات داخل المجتمعات، وبينها وبين بعضها البعض.
تحقيق السلام في الأسرة والمدرسة والشارع، هو سلام اجتماعي واقتصادي وسياسي ودولي.
تلك منظمة خير وحب وجمال متكاملة.
أستمع لهذه الأغنية، وأعود لديوان بيرم التونسي وحياته، فأجده من الشعراء الذين أدركوا ما نتحدث عنه، مستجيبا بمقترح جمالي للسلام.
وأجدني في أجواء أغاني خالد الذكر فنان الشعب الكبير سيد درويش، فأجد كما تجدون معي منظومات العدالة داخليا وخارجيا واحدة.
[email protected]