الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

سكرة ترميم الردع

نشر بتاريخ: 11/08/2022 ( آخر تحديث: 11/08/2022 الساعة: 13:31 )

الكاتب:

أحمد أبو عامر

صدمة ممزوجة بالألم يعيشها الشارع الفلسطيني بعد أن تجرأ الاحتلال مجدداً على الدم الفلسطيني، وتنفيذه لعمليات اغتيال طالت عدداً من قادة الفصائل العسكريين في قطاع غزة ونابلس بفارق ساعات فقط، وكسره لقواعد الاشتباك التي بقيت صامدةً لسنوات.

تلك الصدمة تبعها تساؤل في الشارع الفلسطيني هل نجح الاحتلال في كسر القواعد التي رسختها المقاومة خلال 2014؟، ذلك العام الذي خاضت فيه المقاومة معركة فاصلة نقلتها من مرحلة الدفاع إلى الندية مع جيش الاحتلال، والذي أصبح يفكر بعدها مرات ومرات قبل أن يُقدم على اغتيال لأي من قيادات المقاومة أو تنفيذ أي عدوان، أم أن ما قام به هي ضربةً خاطفة لترميم الردع، ومحاولة إضعاف جبهة غزة وعينُه على جبهة أخرى؟.

قبل الإجابة، لا بد لكل واحد منا أن يستذكر الإنجازات التي حققها وراكمتها المقاومة منذ حرب عام 2014، والتي أظهرت هشاشة الاحتلال وجيشه وجبهته الداخلية، في مقابل التطور الذي وصلت إليه المقاومة، ونجاحها في قراءة سلوك الاحتلال وتوجهاته، وانتزاعها لأهم مكونات الثالوث الذي وضعه دافيد بن غوريون كعقيدة للجيش (الإنذار، الحسم، الردع)، بل أجبرته خلال السنوات الأخيرة على إضافة ضلع رابع لتلك العقيدة، والمتمثل في (الدفاع) بعد أن استطاعت المقاومة نقل جزء من المعركة لأرض العدو.

فقيادة المقاومة التي أبدعت في عمليات التضليل لحرمان الاحتلال من قراءة سلوكها وتوجهاتها، وبالتالي نجاحها في تحقيق نقاط عدة وأخذ زمام المبادرة والمباءة، كان آخرها توجيه الضربة الاستباقية والمفاجئة للاحتلال في معركة سيف القدس.

ولم يكن لذلك أن يحدث لولا الخبرة التي راكمتها المقاومة في كشف الكثير من عمليات التضليل التي يقوم بها الاحتلال لتنفيذ مخططاته، فأحياناً بادرت إلى الهجوم لإفساد ما يخطط إليه الاحتلال، وأحيانا ًأخرى سحبت الذرائع من أمامه لإفساد مخططاته، وهو ما جرى يوم مسيرة الأعلام في مايو 2022، إذ حاول الاحتلال استدراج المقاومة لمعركة كان قد استعد لها جيداً.

سنوات عدة نحتت خلالها المقاومة في جدار الأسطورة الكاذبة التي رسختها دولة الاحتلال في عقول بعض العرب بأن جيشها لا يهزم، وأنها دولة بأجهزتها الأمنية والاستخبارية تقرأ عقولنا وكل ما نفكر به ككتاب مفتوح، وبالتالي ردع كل من يفكر بمهاجمتها، لتعري المقاومة بمعاركها الأخيرة تلك الأكذوبة، الأمر الذي جعل جيش الاحتلال وعلى مدار سنوات في تغيير خططه ومحاولة تنفيذه بعض العمليات لإعادة ترسيخ تلك الأكذوبة في العقول مجدداً.

وفي ظل فشل الاحتلال في استفزاز المقاومة وجرها إلى الأفخاخ التي نصبها بعد مناورات "شهر الحرب" التي أجراها في مايو الماضي، عبر مسيرة الأعلام وتدنيس المسجد الأقصى، واغتيال عدد من المقاومين في جنين، اضطر بعدها إلى القيام بالضربة الاستباقية، والتي ركز فيها ضرباته باتجاه حركة الجهاد الإسلامي خلال عملية "بزوغ الفجر" بعد استعدادات كبيرة قام بها على مدار أيام في غلاف غزة، كانت تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الاحتلال يجهز لعمل ما ضد قطاع غزة.

بدأ العدوان باغتيال تيسير الجعبري القيادي البارز في الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، وضرب المراصد التابعة للحركة في المناطق الشرقية لقطاع غزة والمقاتلين بداخلها، وتعمد الاحتلال نشر مقاطع فيديو لتسديد تلك الضربات في محاولة منه لخلق حالة من كي الوعي في الشارع الفلسطيني.

إن استعداد الاحتلال الجيد للمعركة عبر إخفائه لجنود ومستوطنيه من غلاف غزة لحرمان المقاومة من تحقيق أي إنجاز أو افتتاح الجولة بضربة قوية، وما تبعه من استمرار اغتيالات للقادة العسكريين والذين كان آخرهم خالد منصور في رفح وإبراهيم النابلسي في نابلس، ما هي إلا سكرة يمر بها لمحاولة ترميم حالة الردع التي أفقدته إياها المقاومة على مدار سنوات، فالاحتلال يعلم جيداً أن أي معركة حقيقة قادمة لن تكون نتائجها في صالحه، فالصفعات التي تلقاها في معركة سيف القدس لا تزال حاضرة أمامه.

هذا لا يعني ألا يقدم الاحتلال على عمل معادٍ مجدداً وبصور مختلفة في ساحات أخرى كالضفة الغربية أو الخارج، مستغلاً خروج غزة من معركتها الأخيرة خلال أيام أو أسابيع، لذلك ستبقى الفترة القادمة وحتى بداية نوفمبر المقبل متفجرة ومليئة بالألغام، في ظل أن القائد الفعلي لحكومة الاحتلال الآن هو وزير الجيش بني غانتس وليس يائير لابيد الذي لا يمتلك أي خلفية عسكرية ولا يمتلك حتى الثانوية العامة، وكل خبرته الفعلية في العمل الصحفي.

غانتس بعد أن حقق بعض النقاط من خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة، وعملية الاغتيال في نابلس يسعى جاهداً لمضاعفة تلك النقاط قبل انتخابات الكنيست في 2 نوفمبر المقبل، لذلك يكثف من تصريحاته وحضوره الإعلامي لاستعراض إنجازاته وتوجيه تهديداته.

تلتقي رغبات غانتس الذي يتلقى وجيشه الصفعات منذ حرب تموز 2006، إذ كان يشغل آنذاك منصب قائد القوات البرية مروراً بالحروب على غزة 2012 و2014 و2021، مع رغبات مؤسسة الجيش التي تسعى جاهدةً لترميم حالة الردع التي فقدتها خلال السنوات الأخيرة جراء معاركها مع المــقـاومة، ولا تزال ملفاتها مفتوحة إلى اليوم وفي مقدمتها ملف الجنود الأسرى الذين وقعوا في الأسر عام 2014، وهو في منصب رئيس هيئة الأركان، وإلى اليوم لم يتمكن من إعادتهم بعد أن تخلى عنهم خلال المعركة.

الأمر الذي يحتم على الفلسطينيين مضاعفة قراءة السلوك الإسرائيلي ومحاولة تفويت أي فرصة عليه في هذه المرحلة لتسجيل المزيد من النقاط، كون أن جيش الاحتلال في ذروة استنفاره جراء حالة التوتر التي تشهدها الجبهة الشمالية والجنوبية، ومحاولاته المستميتة لإعادة الردع.