السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مؤسساتنا ما بين التقاعد الاختياري… والإجباري !! .

نشر بتاريخ: 14/08/2022 ( آخر تحديث: 14/08/2022 الساعة: 22:19 )

الكاتب:

مهند أبو شمّة

يدور الحديث اليوم على لسان متحدثّي وزارة المالية أن خطة الاصلاح الحكومي تبدأ من تخفيض فاتورة الرواتب، وهذا قد يكون ليس مطلبا فلسطينيا بقدر ما يندرج في إطار إملاءات دولية لاستمرار تدفق المساعدات الدولية وخصوصاً الأوروبية منها .

يأتي هذا الحديث والشارع الفلسطيني ينتظر خطة الإصلاح الحكومية الوطنية الشمولية بثوبٍ فلسطينيّ التطريز، فظاهريا يبدو للعيان أنها خطة إصلاح، لكن انعكاسها على مؤسساتنا سيكون تدميريا، إذا ما نظرنا لموضوع التقاعد الاختياري أو الإجباري من منظور الانعكاس الفعلي للخطة على مؤسساتنا، وهنا تكمن خطورة الأمر.

التقاعد الاختياري سيكون بمثابة فرصة عظيمة لا تُفوّت للكفاءات وأصحاب الخبرات المميزة ليغادروا مواقع عملهم لفرص أُخرى تنتظرهم سواء في القطاعين الخاص، أو الأهلي، أو حتى خارج نطاق فلسطين وهنا نكون قد وقعنا في المحظور، وبذا نكون قد عملنا على افراغ مؤسساتنا من الكفاءات، ليغدو هناك توزيع غير عادل لفرص العمل ما سيزيد من نسبة البطالة بين الخريجين، إذ سيكون على الخريج/ة الانتظار أضعاف الوقت الذي كان ينتظره للحصول على فرصة عمل كون المنافسة ستكون بين أصحاب الخبرة والكفاءة من الوزارات المتقاعدين برغبتهم وبين خريجي الجامعات الجدد الباحثين عن بصيص أمل للحصول على فرصة عمل، وهنا لن يجد الخريج الجديد أمامه سوى سوق العمل في الداخل المحتل، وتحت سطوة الإسرائيلي ،أو ابتزاز سماسرة التصاريح ، أو التفكير في الهجرة لأي دولة تقدم له التسهيلات وهنا وقوع في محظور آخر يتجاوز إفراغ مؤسساتنا، ليشمل تفريغ وطننا من الشباب وبناة المؤسسات، عدا عن بروز ممارسات اجتماعية منحرفة أُخرى بين الشباب، كالسرقة والتعاطي، والمتاجرة بالمخدرات ، والإسقاط لا قدر الله !!.

الحال ذاته بل بتداعيات أعمق ينسحب على التقاعد الاجباري، وبخطورة لا تقل عن التقاعد الاختياري وسبق تطبيق ذلك، وكان الهدف من قرار كهذا إفساح مساحة كبيرة لتفرد المسؤول في إدارة المؤسسة والتخلص ممن يعارضونه، ليُبقي على من يستسلم ويُنافق، وهنا محظور آخر من نوعٍ آخر له آثار تدميرية على مؤسساتنا، وبشكل آخر، فالتفرد في الإدارة والقرار، ووجود منافقين لن يقودا حتماً لأي بناء مؤسسي، أو نهوض تنموي، بل على العكس، فيه هدم مبني على سياسة الرأي الواحد، والقرار الواحد، وتجسيد لإمبراطورية المسؤول، ووجب التحذير من وجود مستشارين منافقين غير مهنيين يزعمون معرفة كل شيء لتضليل المسؤول ورغباته وأحلامه، إذ يتسابق أولئك المدعون لتجميل المشهد، والتقليل من شكل ردات الفعل، ليُبحروا في بحر الفتاوى التي تخدم توجهات المسؤول، فيهونوا الأمور عليه، ويُغرروا به، ليكونوا أداة هدم مؤسسي لا بناء، وهنا نلمس التناقض الكبير بين خطة الاصلاح الحكومي، وبين ما يتم تداوله !!.

إزاء ما سبق، تتوارد أسئلة:

هل أخذت خطة التقاعد المبكر سواء الاختياري أو الإجباري بعين الاعتبار الجوانب الأُخرى التي تم ذكرها؟

هل سيكون هناك قرار أيضاً بوقف تمديد الخدمة لمن بلغوا سن التقاعد بغض النظر في أي موقع كانوا؟

أم أنها نظرت من زاوية وحيدة هي تخفيض فاتورة الرواتب؟؟

أسئلة برسم الاجابة تتطلب التفكير مليّاً وجدياً في كيفية إدارة الموارد البشرية في الدولة وتعظيم الاستثمار فيها لتصبح رافعة حقيقية للبناء المؤسسي، وتعزيز اقتصادنا ليكون اقتصاد صمود ومقاومة وبناء، لا استهلاكيا فقط!!.

وكنت قد طرحت في مقالة لي نشرتها في بداية جائحة كورونا بعنوان"إدارة التغيير ما بين جائحة كورونا ….وقرارات الضم" بعض الحلول في إدارة الموارد البشرية في فلسطين، وكيفية معالجة الفائض في الموارد البشرية ليصبح رافعة اقتصادية وتنموية ضمن خطة وطنية شاملة .

https://www.maannews.net/articles/2007362.html

فوطننا ومؤسساتنا تحت وطأة خطة التقاعد الاختياري والاجباري سيكونان بين فكيّ كماشة، أو بين المطرقة والسنديان إذا صح التعبير، وستقود وطننا ومجتمعنا لويلات تفوق تكلفتها أضعاف مضاعفة ما تهدف له الخطة من تخفيض لمخصص الرواتب الشهري .!!!.