الكاتب: ميساء أبو زيدان
عمليات عسكرية (ذات جلبة) مركزة الأهداف على قطاع غزة المُرتَهن لمشروع دولي منذ العام 2006، مقابل حرب استزاف حقيقية في الضفة الغربية، واستباحة متواصلة للقدس ومقدساتها. وكأنها منهجية الإحتلال المُستَحدثة فور الانتفاضة الثانية بهدف تقويض القضية الفلسطينية. يتزامن هذا مع دأب قادة الاحتلال لفرض واقع ديموغرافي على الأرض الفلسطينية التي احتُلت عام 1967 من خلال النهب اليومي للأراضي، وهدم المنازل تحت حججٍ عديدة، ففي القدس تأتي الذريعة بأنها غير قانونية لعدم حصولها على التراخيص من سلطات الاحتلال، وفي الضفة الغربية بأنها أقيمت في المناطق المصنفة (ج) حسب اتفاق أوسلو الثاني.
نتائج مُفجِعة تعترضنا فور كل عدوان عسكري إسرائيلي على القطاع المحاصر، أقساها الفقدان الموجع لأبناء شعبنا جسدياً ومعنوياً كذلك (وطنياً)، بخلاف الدمار الهائل الذي يأتي على مجمل مناحي الحياة ومواردها، ويبدو هنا أن سعيّ الاحتلال من تحديده لبنك الأهداف البشري في القطاع هو ضرب الخزان الثوري الذي امتازت به غزة. أمّا على الجبهة الأخرى فالاستهداف يومي ومُنظّم، يتصدر هذا البحث الدائم عن المكانة والمقدرة التي تمتلكها "فتح" وبكل المستويات، أبرزها هو الاستهداف الممنهج لنشطائِها المنخرطين ضمن كتائبها (كتائب شهداء الأقصى)، بهدف الانقضاض على مواطن قوتها في القدس والضفة الغربية على اختلاف ميداين ومجالات مهامها، "فتح" الحركة الوطنية التي لا زالت مستمرة ومنذ انطلاقتها على ذات النهج.
في الوقت الذي يتم فيه استهداف كوادر ونشطاء حركة "فتح" من خلال عمليات استخباراتية وعسكرية نوعية تؤدي إما لاعتقال أو لاغتيال، كما شهدنا في الجريمة التي ارتُكبت الإسبوع الماضي في نابلس والتي ارتقى خلالها ثلاثة شهداء هم (ابراهيم النابلسي، إسلام صبوح، حسين طه) وشهيد رابع (مؤمن جابر) في مدينة الخليل، لا زال الغموض يكتنف سلوك أحد فصائل (المُقاوِمة) في القطاع خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، فعدم التزامه بوعوده وبأنه سيرد على أيّ اعتداء يُقدم عليه الاحتلال، والتخلي عن حماية قادة الفصيل الشريك له في مربعاتها الأمنية، إلى ادّعاء احتضان المقاومين في الضفة الغربية وبأنه فيها تنحصر مواجهة الاحتلال!
لقد نفذ الإسرائيليون العدوان الأخير دون أن يكون هناك أيّ خرقٍ للهدنة من جانب الفصائل الفلسطينية في القطاع، بل جاء كاسراً للتفاهمات التي أشرفت عليها مصر، ما يطرح تساؤلاتٍ في العمق عن أسبابه ومبرراته، بظل الحديث عن عن تفاهمات تمتْ بين حركة حماس بوساطة عربية ورعاية أمريكية مع إسرائيل، ظاهرها إسقاط خيار (المقاومة) وتفادي الرد على الاعتداءات العسكرية على القطاع، والتغاضي عن استهداف الجهاد الإسلامي وكوادره حيث تعتبره إسرائيل ذراعاً إيرانياً. مقابل مكافآت سياسية وامتيازات مالية، والتلميح برفعها من قوائم الإرهاب، بالتزامن مع استمرار تصنيف منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة إرهابية ضمن قوائم خاصة بالكونغرس الأمريكي !
بات من الواضح أن الإعداد لتقويض القضية الفلسطينية يسير على خطىً متسارعة، من خلال فرض وقائع على الأرض تسلب الشعب الفلسطيني مقومات الدولة، وخلق البديل المقبول دولياً (واشنطن تحديداً) والذي لن يُمانِع بحصر القضايا الوطنية بحدود جغرافية وإنسانية واقتصادية. وهنا تُفَنَّد كل الادعاءات؛ فِمن ادّعاء احتضان المقاومين في الضفة الغربية، لادّعاء المقاومة وتقديم الشعب قرباناً على مذبح أسماءٍ بعينها، وتصريحات قيادييّ أحد هذه الفصائل المُقاوِمة التي تلخصت بعبارة "لا يوجد ما نخسره" في تهديدٍ للعدو، بل وتمتين للعلاقة بين الاحتلال وتنظيم الإخوان المسلمين والذي تجلى خلال انضمام أحد أذرعه لحكومة الاحتلال الحالية، وتمكين آخر في المشهد الفلسطيني، كل هذا يرفع الستار عن حقيقة مكانة الشعب وقضاياه وحقوقه الوطنية لدى الفصائل الإقليمية الارتباط. إن أكبر الأخطار التي تتهدد القضية الفلسطينية هو اختزالها بإقامة دويلة فلسطينية في قطاع غزة إسلامية الهوية مقابل دولة يهودية في (يهودا والسامرة) كما طُرح من قِبل رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتياهو فور انقلاب 2007، وهنا تبرز حقيقة أخرى مفادها: ليتهم يرون "فتح" بعين أعداء فلسطين ...