الكاتب: رامي مهداوي
خلال الفترة الماضية تابعت وسائل التواصل الإجتماعي بشكل مُكثف لقراءة توجهات الشارع الفلسطيني في عدد من قضايا الساعة، حتى أكون صادق مع ذاتي ومعكم؛ أخطر ما وجدته هو ليس المواضيع المطروحة على قضيتنا الفلسطينية بقدر ما يعاني مجتمعنا الفلسطيني من حالة شرذمة خطيرة لدرجة أصبحنا في مرحلة التباهي بموافقتنا مع منظومة الإحتلال وأدواته مع تبرير ذلك بآراء يقشعر لها الأبدان.
تلك الآراء والتعليقات في عالم التواصل الإجتماعي جعلتني أستذكر كتاب قرأته منذ زمن بعيد ذهبت لمكتبتي باحثاً عنه بعنوان “معذبو الأرض” للكاتب فرانز فانون. وهو طبيب نفسي ومناضل ثوري وهو من جزيرة المارتنيك التابعة لفرنسا، حارب مع فرنسا ضد الإحتلال النازي الألماني ثم قاوم ضد فرنسا في الجزائر.
ما تحدث به فانون يلامس واقعنا الفلسطيني الحالي من حيث التقسيمات التي تحدث في الدول المستعمرة لصالح المستعمر الذي يستأثر لنفسه فيها بالخيرات ويتحدث عن مراحل الصحوة التي تحدث في ذهن الأمة المستعمرة ولاسيما المثقفين منهم، ويذكر بعض القيم التي يحاول أن يزرعها الاستعمار في ذهن المثقف وأولها الفردية، ثم يشرح إشكالية الاستعمار في ذهن صاحبه. ويذكر بعض الأساليب التي يحاول بها المستعمَرون نسيان الاستعمار والتأقلم على وجوده ومنها زيادة الخلافات الشخصية بين الناس وبعضهم البعض.
يفضح فانون الاستعمار الجديد، متمثلًا فيما أسماها البرجوازية الوطنية التي لم تشارك في ثورة الشعب مشاركة صادقة، ولا أهابت بالجماهير يومًا ما إلى النضال المسلح العنيف، وكان كل منجزها مناورات هنا وهناك من أجل أن يتصدق عليها المستعمر ببعض الامتيازات، وهذا ما وجدته بآرراء الكثيرين من أصحاب الأموال دون أي إعتبار للإطار الوطني وانسياقهم لمصالحهم أولاً وأخيراً!!
يقول فانون "لا بد لكل جيل أن يكتشف رسالته وسط الظلام؛ فإما أن يحققها وإما أن يخونها". هنا يؤسس فانون لمجموعة الصور الذهنية التي يغرسها المستعمر في أهل المستمعرة لكي يخضعهم ويهز ثقتهم في قدراتهم من هذه الأفكار، ما يجعلنا محاطين بالخوف والأوهام وتمجيد الآخر والكُفر بالذات.
"معذّبو الأرض" نحن الشعب الفلسطيني في لحظة السفر، معذبو الجسر.. المطار... دخول إلى عالم من الانقسام الاستعماري، والصراع الوطني، والتوق التحرّري. على النصوص في عالم التواصل الإجتماعي التركيز على النقد الديناميكي والشغف السياسي، الحَفر في التاريخ وإدانة الظلم، الحجة المنطقية والسخط الأخلاقي تجاه المعاناة. على من يريد أن يتحدث عن حرية الإختيار والتنقل عليه أن يتذكر بأننا مازلنا تحت إستعمار بشع وعليه أن يشاهد العنصرية والتبعية الهيكلية للمعضلة الاستعمارية.