السبت: 30/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الكوفية الفلسطينية... تراثٌ نضالي أم فلكلور موسمي؟

نشر بتاريخ: 13/10/2022 ( آخر تحديث: 13/10/2022 الساعة: 19:45 )

الكاتب:

د. محمود الفطافطة

1. أصبحت الكوفية الفلسطينية رمزا للقومية الفلسطينية ويعود تاريخها إلى ثورة فلسطين 1936. والكوفية تعرف أيضاً بالسلك أو الحطةبلونيها الأبيض والأسود، وتعكس بساطة حياةالفلاح في قرى فلسطين، وكذلك الألوان الترابيةلملابس الفلاحين هناك، وقد اعتاد الفلاحالفلسطيني أن يضع الكوفية لتجفيف عرقه أثناءحراثة الأرض ولوقايته من حر الصيف وبردالشتاء،

2. في ذروة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 تنبه الفلسطينيون أن السياسة البريطانية تميز بين سكان المدن وبين سكان القرى، فكان البوليس يتعمد توقيف لابسي الكوفية وهو لبس القرويين واذلالهم فيما يتجنب لابسي الطربوش وهم من المدنيين. جريدة الجامعة الإسلامية كتبت يومها في 9 آذار 1936: "استمرار التفتيش واختصاص لابسي الكوفية" حيث توضح كيف يهاجم الجند المقاهي ويفتش لابسي الكوفية.

3. في أواخر شهر آب من عام 1938 جاءت الخطوة الثورية التي ستغير المعادلة، حيث أصدر بعض القادة العسكريين من سكان القرى وعلى رأسهم الشهيد يوسف أبو درة والمناضل الراحل عارف عبد الرازق بيانات وزعت في المدن الفلسطينية تأمر بنزع الطربوش واعتمار الكوفية والعقال بدلاً منها فقط لخلق نوع من المساواة الاجتماعية والثورية بين الفلسطينيين. فرد بعض الحكام العسكريين البريطانيين ببيانات أخرى تأمر بمنع اعتمار الكوفية، لكن الغلبة كانت للأخيرة. هكذا انتهى عصر الطربوش في فلسطين، وهكذا صارت الكوفية رمز الثورة الفلسطينية.

4. ارتبط اسم الكوفية بالكفاح الوطني منذ ثورة1936 في فلسطين، حيث تلثم الفلاحون الثواربالكوفية لإخفاء ملامحهم أثناء مقاومةالإمبريالية البريطانية في فلسطين، بهدفتفادي اعتقالهم أو الوشاية بهم. ثم وضعها أبناءالمدن بأمر من قيادات الثورة آنذاك، وكانالسبب أن الإنجليز بدأوا اعتقال كل من يضعالكوفية على رأسه ظنا منهم أنه من الثوار،فأصبحت مهمة الإنجليز صعبة باعتقال الثواربعد أن وضعها كل شباب وشيوخ القرية والمدينة.

5. كانت الكوفية رمز الكفاح ضد الانتداب البريطانيوالمهاجرين اليهود وعصاباتهم، واستمرت رمزاللثورة حتى يومنا هذا، مرورا بكل محطاتالنضال الوطني الفلسطيني. ومع انطلاقة الثورةالفلسطينية المعاصرة في النصف الثاني منستينيات القرن الماضي كانت الكوفية مقرونةبالفدائي مثل سلاحه، وكان السبب الرئيسيأيضا الوضع الكوفية هو إخفاء ملامح الفدائي.

6. منذ ذلك الوقت اقترنت الكوفية عند شعوب العالمباسم فلسطين ونضال شعبها، وقوي هذاالاقتران أثناء الانتفاضة الأولى عام 1987،وصولا" إلى الانتفاضة الثانية عام 2000،وحتى الآن ما زال المناضلون يضعون الكوفيةللأسباب ذاتها والأهداف التحررية ذاتها التيوضعها من أجلها الثوار عام 1936.

7. في جبل الخليل كان الثوار يشجعون على لبسالعقال والحطة (الكوفية) حتى يختفي الثواروسط العوام بدل أن يتم تمييزهم من خلالالعقال والكوفية وكانت هناك مقولة مشهورة: حطه وعقال بخمس قروش والحمار لابسطربوش.

8. ازدادت بروز الكوفية خلال الستينيات مع بداية حركة المقاومة الفلسطينية واعتمادها من قبل السياسي الفلسطيني ياسر عرفات.

9. عالمياً اكتسبت الكوفية شعبية بين الناشطين الذين يدعمون الفلسطينيين في الصراع مع إسرائيل وهو رمز التضامن الفلسطيني. وقام الناشطون الأوروبيون بلبس الكوفية.

10. منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية ظهرت الأوشحة المستطيلة بشكل متزايد مع مزيج من العلم الفلسطيني والمسجد الأقصى المطبوع على أطراف النسيج.

11. في عام 2006 ألقى رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثباتيرو خطابا انتقد فيه إسرائيل بشدة ثم قبل كوفية أحد الجمهور وأخذت له صورة وهو مرتديها.

12. في عام 2007 توقفت سلسلة متاجر الملابس الأمريكية "تجار الملابس في المناطق الحضرية" عن بيع الكوفية بعد قيام "نشطاء مؤيدين لإسرائيل بالشكوى من هذه المواد" وأصدر المتجر أيضا بيانا مفاده أن الشركة لم تكن تنوي أن تعبر عن أي تعاطف أو دعم للإرهابيين ببيع الكوفيات وسحبها.

13. كارولين غليك نائبة رئيس تحرير صحيفة جيروساليم بوست الإسرائيلية ساوت بين الكوفية الفلسطينية مع القميص البني الفاشي.

14. هاجمت مغنية الراب والهيب هوب البريطانية الفلسطينية شادية منصور الاستيلاء الثقافي على الكوفية ودافعت عنه باعتباره رمزاً للتضامن الفلسطيني في أول أغنية واحدة لها هي الكوفية العربية. وقد ارتدت ثوبا فلسطينيا تقليديا وأعلنت في أغنيتها على مسرح في نيويورك: "يمكنك أن تأخذ فلافل وحمص بلدي ولكن اللعنة لا تلمس كوفية بلدي".

15. هناك شخصية فلسطينية أخرى ارتبطت بالكوفية هي ليلى خالد والتي كانت عضوة في الجناح المسلح في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

16. أصبحت الكوفيات السوداء والبيضاء التقليدية مرتبطة بحركة فتح. في وقت لاحق اعتمدالماركسيون الفلسطينيون مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الكوفيات الحمراء والبيضاء.

17. لم يكتف الإسرائيليون بتزوير التاريخ وسرقة الأرض الفلسطينية، فقد أرادوا هذه المرة السطو على الكوفية "الحطة" رمز مقاومة الفلسطينيين.وقام مؤخراً المصمّمان الإسرائيليان جابي بن حاييم، وموكي هرئيل بتصميم "الكوفية الفلسطينية" المعروفة، بألوان علم إسرائيل، و"نجمة داوود" في محاولة للاستيلاء على التراث الشعبي الفلسطيني. كذلك، وفي بداية هذا القرن بدأت حملة صهيونية مكثفة في أوروبا وخاصة في المانيا بشراء هذه الكوفيات من الاوربيين المناصرين للقضية الفلسطينية،بهدف اخفائها وبيع كوفيات أو لفحات بنفس الشكل ولكن باستبدال العلم الفلسطيني بعلم اسرائيل وبعبارات مؤيدة لها او مذكرة بالمحرقة، وليس بالضرورة ان كل من يحمل هذه الرموز المشوهة يكون في حالة إدراك لما وقع به من خطأ، وخاصة بسبب طريقة الكتابة والطباعة المستخدمة التي لا تظهر الكتابة بشكل واضح. خطورة السطو على الكوفية تأتي كونها رافقت المقاوم والفدائي الفلسطيني في مختلف مراحله نضاله ضد الاحتلال.

18. وبذلك تكتسب الكوفية جانباً مهماً مرتبطاً بالهوية التراثية الفلسطينية فضلاً عن الرمزية النضالية ضد الاحتلال لذا تشهد محاولات إسرائيليةحثيثة لسرقتها. وقابلت الفعاليات الفلسطينية المحاولات الصهيونية لسرقة الكوفية بأنشطة تؤكد فلسطينيتها حيث عرضت "حطة" عملاقة مساحتها 450 متراً مربعاً، وبوزن 75 كيلوغراماً، في رام الله بمناسبة الذكرى 62 للنكبة التي تصادف الخامس عشر من أيار.كما عرض ناشطون لبنانيون وفلسطينيون في بيروت بمناسبة الذكرى الـ62 للنكبة التي تصادف 15 أيار، كوفية فلسطينية ضخمة بطول يتجاوز 6500 متر، محطمين رقماً قياسياً سابقاً مسجلاً في موسوعة جينيس، وأدرجوا إنجازهم في إطار المطالبة بحق العودة بموجب القرار الدولي 194. وكُتبت على طرفي الكوفية عبارة "194: سنعود.. حملة حماية قرار حق العودة"

19. خلاصة القول: مثلت الكوفية الفلسطينية، تراثاً وطنياً ونضالياً للشعب الفلسطيني، سيما لدى الثوار، قادة وجنوداً، ومن ثم ليتمدد هذا التراث على عموم أبناء الشعب الفلسطيني، ويتجاوز ذلك إلى عموم العالم الذي أخذ كثيرٌ من أبنائه، رجالاً وشباباً، ذكوراً ونساءً، يفخرون بهذا الزي الفلسطيني الذي يمثل أعدل وأطهر قضية حق في التاريخ المعاصر. لقد كانت الكوفية في العقود الماضية تحتل اهتماماً أكثر، وإن بقيت محافظة على أهميتها راهناً، إلا أننا نشهد ذلك الاهتمام، فقط خلال المواسم والمناسبات الوطنية للشعب الفلسطيني. هذا المشهد من شأنه أن يحولها إلى مجرد فلكلور وطني لا إلى ابقائها تراث نضالي ووطني يمثل أو يشكل أحد أدوات المواجهة مع أبشع احتلال عرفته البشرية. أعيدوا للكوفية الفلسطينية وهجها وتاريخهاونضالها؛ فهي ليست مجرد زي يُرتدى، بل هي تراث يحتذى..