الكاتب:
معتز خليل
دعا فصيل "عرين الأسود" العسكري في نابلس الفلسطينيين إلى الإضراب العام تضامنا مع سكان مخيم شعفاط (التي فرضت أيضا قيودًا على الحركة في أعقاب إطلاق النار هناك منذ عدة أيام ، والمطاردة المستمرة للمسلحين بالمخيم)، الأمر الذي يزيد من دقة هذه القضية.
اللافت هنا ان المكون الجيوسياسي لهذا الفصيل المقاوم بات يحقق تواجدا لافتا في جميع أنحاء الضفة الغربية وشرق القدس، وذلك رغم وجود لبوادر تراجع في الاقتصاد الفلسطيني.
وترتفع شعبية الجماعة في الشارع الفلسطيني بوضوح، خاصة مع التهديدات الإسرائيلية لها.
ما الذي يجري :
منذ فترة ليست بالوجيزة أعلنت إسرائيل سلسلة من العمليات في مدينة نابلس ، وهي العمليات التي تواصلت من أجل التصدي لعمليات المقاومة ضد الاحتلال التي تعلن عنها عناصر المقاومة، والحاصل فإن إسرائيل توقفت كثيرا عند هذه العمليات ، خاصه وأن مدينة نابلس ليست ، مثل جنين على سبيل المثال ا، رام الله او غيرها من المدن الفلسطينية التي تترقب إسرائيل وتتوجس أي تحرك عسكري بها.
وراقبت الساحة الفلسطينية أيضا تطور العمل العسكري في نابلس ، خاصة مع صعود نجم هذه الجماعة ، غير ان قاعدة البيانات العسكرية للمقاومة الفلسطينية لم تطرح المزيد من المعلومات عن هذه جماعات المقاومة ب"نابلس" وتحديدا جماعة عرين الأسود.
وتعترف دوائر فلسطينية بعد توفر المعلومات الدقيقة عن مجموعة “عرين الأسود” التي تنشط تحديدا من البلدة القديمة بمدينة نابلس، وتحظي هذه الجماعة بحالة من الدعم الشعبي غير المسبوق، لكونها أصبحت المجموعة التي تصنع الأخبار بعد موجة عملياتها الأخيرة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين.
وكانت غالبية المؤشرات لبداية انطلاق هذه الجماعة عقب عمليات الإعدام التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عملية خاصة بمدينة نابلس لثلاثة شبان بتاريخ 8 فبراير من العام الجاري.
في تلك العملية التي استهدفت ثلاثة ناشطين من مجموعة مسلحة أطلقت على نفسها “كتيبة نابلس”، ونشر الإعلام الإسرائيلي قبل أيام فيديو يوثق عملية استهدافهم وتتبعهم، في تلك العملية قام الجنود بإطلاق مئات الرصاصات على السيارة التي كان يستقلها الشبان الثلاثة ، وهم أشرف مبسلط، وأدهم مبروك، ومحمد الدخيل، وينتمي ثلاثتهم إلى كتائب “شهداء الأقصى”، الجناح العسكري لحركة فتح.
وكان أبرز هؤلاء الشهداء محمد الدخيل وهو صديق الشاب محمد العزيزي “أبو صالح” وهو أحد مؤسسي جماعة “عرين الأسود”.
تطورات ميدانية:
في 24 يوليو/ تموز من العام الجاري، نفذت قوات معززة من الجيش الإسرائيلي اقتحاما موسعا للحي الذي يقع فيه منزل أبو صالح في البلدة القديمة، وحدث اشتباك عسكري عنيف استشهد خلاله أبو صالح مع صاحبه عبد الرحمن صبح (28 عاماً).
وبعد العملية العسكرية اتضحت معالم ما جرى، حيث تناقل المقاتلون أخبارا أن الشهيدين قاما بالتضحية بنفسيهما من أجل توفير الحماية والتغطية لأعضاء المجموعة التي كانت موجودة في المنزل لحظة الاقتحام، وهو الأمر الذي ترك أثرا عظيما في نفوس المقاتلين وتحديدا من تمكن منهم من الانسحاب، وأبرزهم المطلوب الأول إبراهيم النابلسي الذي استشهد يوم 9 أغسطس، عندما تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي من اغتياله ورفيقيه إسلام صبوح بعد اشتباك مسلح مع قوة إسرائيلية خاصة في البلدة القديمة.
النابلسي والذي يعتبر أحد أعضاء المجموعة المتجاوزة للحزبية، أحدث اغتياله حالة نضالية مضاعفة، يقول أحد الناشطين: “إذا كان استشهاد الثلاثة جعل من الحالة النضالية تكبر في نابلس، فإن اغتيال النابلسي الذي أصبح رمزا شعبيا ووطنيا ضاعف من الحالة النضالية، وهو ما عزز من التفات الشبان الصغار إلى مجموعة عرين الأسود”.
وفي وقت لاحق، بتاريخ 24 سبتمبر، استشهد أحد أعضاء المجموعة وهو المقاوم سائد الكوني عندما نصبت المقاومة كمينا لقوات الاحتلال التي اقتحمت المدينة فجرا.
صعوبة إسرائيلية
تقارير إسرائيلية اعترفت بصعوبة التعاطي مع هذه المجموعة ، وفي تقرير وضعه تال ليف رام المعلق العسكري لصحيفة معاريف وهو واحد من المعلقين العسكريين الذي يرتبط بعلاقات سلبية إلى حد ما مع قيادات بالجيش الإسرائيلي قال صراحه وفي تقرير مطول بالصحيفة حمل عنوان “عرين الأسود”، أن الجيش الإسرائيلي ومخابراته عاجزون عن فهم هذه المجموعة من المسلّحين في منطقة نابلس، وصياغة خطوات فعّالة لمواجهتها.
ليف رام أعاد السبب في ذلك إلى :
1- منظومة المجموعة صعبة للغاية بالنسبة للمنظومة العسكرية والاستخبارية، لأنها على عكس المنظمات القائمة والمعترف بها، فهي تُشكل مفهوما جديدا وغريبا من ناحية اتّساع نطاقها.
2- المجموعة لا تعمل تحت راية معيّنة، وهي تسعى إلى قيادة خط وطني جديد ضد “إسرائيل” وفي حفل تأبين شهداء المجموعة قال الخطيب: آخر الكلمات: “فليسقط غصن الزيتون ولتحيا البندقية”).
يؤمن بعض من المفكرين الفلسطينيين إلى أن الجماعة تنتمي إلى جيل التضحية وليس إلى جيل الإعداد والتحرير، فهم يؤمنون بالقتال حتى الشهادة.
موقف السلطة من الحركة:
بقراءة استراتيجية نجد ان أحد أبرز التحديات أمام هذه الجماعة هي موقف السلطة منها ، وتشير بعض من الدوائر صراحة إلى انه موقف سلبي ، والسلطة عموما تسعى إلى إنهاء هذه الظاهرة، وهذا ما قاله بعض من مسؤولي السلطة في أحاديث غير معلنة من الصحفيين والنشطاء ، خاصة مع سعي السلطة الدائم للتهدئة للحفاظ على مداخيل اقتصادية ثابتة ووضع مستقر للمواطن الفلسطيني .
بالإضافة إلى أن قيادة ونمو هذه الجماعة الثاني أن الانتفاضة الشاملة تتطلب الكثير من المستلزمات ومنها الحاضنة الشعبية الحامية وانخراط مجتمعي يشمل كل الأحزاب والفصائل الفلسطينية.
عموما بات واضحا أن هذه الجماعة تحظى بقوة غير تقليدية في الشارع الفلسطيني ، الأمر الذي يزيد من دقة وجودها على الساحة.
المتوقع
ستتواصل عمليات عرين الأسود التي تشن حربا استنزافية ضد الاحتلال ،لنم تتوقف ، خاصة وان أعمار أعضائها الذي يتراوح بين نهاية العقدين الثاني والثالث من العمر يمنحها قوة شبابية وحياة في الشارع الفلسطيني المتعطش دوما للثورة.