الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

‏كيف يمكن تنفيذ إعلان الجزائر للمصالحة الفلسطينية؟

نشر بتاريخ: 17/10/2022 ( آخر تحديث: 17/10/2022 الساعة: 09:20 )

الكاتب: داود كُـتّاب




‏من السهل جداً عدم الاكتراث باتفاق المصالحة الفلسطينية الذي جرى توقيعه في الجزائر أخيراً، فاللقاء خلا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن نائبه في حركة فتح محمود العالول، وأمين سر اللجنة المركزية في الحركة جبريل الرجوب. ولم يجرِ بث الاحتفال بالتوقيع عبر شاشة تلفزيون فلسطين الموجّهة من القيادة الفلسطينية في رام الله، كما تجاهلته فضائية الأقصى التابعة لحركة حماس. ومن السهولة عدم الاكتراث بسبب تجاهل القيادتين في حركتي فتح وحماس الاتفاقات والتعهّدات والإعلانات السابقة، ولكل طرف حججه ومبرّراته!
‏لم يأت مضمون الاتفاق على أمور لم تتطرق لها الاتفاقات السابقة، سوى أنها لم تشمل الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية. وقد تكون هذه في سيئاتها مدخلاً لمعرفة صادقة أين نحن من الاتفاق. وسبب غياب ذكر لحكومة الوحدة، حسب مقرّبين من القيادة الفلسطينية، هو رفض حركة حماس القبول والالتزام بالقرارات الدولية، ومواقف منظمة التحرير، ومنها إعلان استقلال دولة فلسطين في الجزائر العاصمة عام 1988. ولذلك جرى إقصاء الفقرة بأكملها التي أشارت إلى ضرورة إقامة حكومة وحدة وطنية تلتزم بالشرعية الدولية.
‏الجزائريون على دراية بالخلاف الفلسطيني - الفلسطيني. جزائر المليون شهيد أيضاً على معرفة كاملة بالخلافات التي تسبّبها الثورات والخلاف بين الثوار، وصعوبة إيجاد التوازن الصحيح بين حاجة حركات التحرير من جهة وحاجات شعب تحت احتلال واستعمار. الجزائر التي سترأس مؤتمر القمة العربية وتستضيفه في الأول من الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني) راغبة في عرض الاتفاق على جامعة الدول العربية، خصوصاً أن الرئيس عبّاس كان قد طلب من الجزائريين تخصيص وقتٍ وجهد، ومساعدات مالية لشعب فلسطين وقضيته.
‏المهم في موضوع المصالحة وجود نيّة للمتابعة من الجزائريين بعد انعقاد القمة العربية. ووجود الشجاعة للنشر على الملأ عن أي من طرفي الانقسام يعرقل تنفيذه. وهنا يجب أن يأتي الدور الشعبي لوضع ضغوط شعبية لمحاسبة الطرف المعطّل للمصالحة مهما كان. والمصالحة، أساساً، تبدأ عندما يقرّر القائمون على السلطة في رام الله وغزة إعطاء أولوية للشعب الفلسطيني وطموحاته، بدلاً من إعطاء أولوية ضيقة للحزب أو الفصيل المسيطر على الأرض.
‏ستجري محاولة التشويش وادّعاء أن هذا الأمر أو ذاك لا يمكن أن يتم لأن أميركا، أو أوروبا، أو قطر، أو تركيا، أو دول أخرى لا تريده. قد يكون الجواب مغلفاً بعباراتٍ مُقنعة، مثل "المجتمع الدولي لن يقبل ذلك"، أو "لا يمكننا قبول ابتزاز المجتمع الدولي من خلال تقديم تنازلاتٍ سياسية مقابل القبول بالمصالحة"، أو "لا يمكن أن تجري الانتخابات بدون القدس"، وكلها تبريراتٌ قد تبدو للمواطن الساذج أنها منطقية، ولكنها، في الحقيقة ولمن يعرف بواطن الأمور، مجرّد حجج لتعطيل المصالحة أو للخروج من الانقسام بكل المكاسب ورفض تقديم أي تنازلاتٍ تضمن مشاركة صادقة من كلا الطرفين الأساسيين (فتح وحماس) من أجل المصلحة العليا للوطن.
‏لقد شكّل الانقسام تراجعاً كبيراً في التأييد الفلسطيني والعربي للقضية الفلسطينية، رغم أن التضامن مع الشعب الفلسطيني عالمياً في تزايد، حتى في أكثر المناطق التي كانت حكراً على الصهاينة. ولكن بدون وحدة وطنية لا يمكن بناء استراتيجية تحرّر صادقة تستفيد من المد العالمي لعدالة القضية الفلسطينية.
‏بعد فشل متكرّر لاتفاقيات المصالحة الفلسطينية، من السهل القول إن الإعلان الموقّع أخيراً في الجزائر لن ينجح، ولكن الطريق الصعب والضروري أن يُجمع الشعب الفلسطيني على إنجاح ما وقّع عليه القادة، حتى ولو لم يكن توقيعهم صادقاً، فمن الممكن إجبارهم على تنفيذ اتفاق المصالحة من خلال عمل شعبي مكثّف يوضح للطرفين أن الشعب ملّ خدعهم التي تهدف إلى التهرّب من التزامات الشراكة الحقيقية في إيجاد حل للخلافات. يُؤمل من الشريك الجزائري التحلّي بالصبر والمثابرة في متابعة ما جرى توقيعه، والتحلي بالشجاعة للإعلان إذا ما جرى تعطيل هذا الاتفاق من أي طرف، كي يتم إفشال الحجج الوهمية، وإجبار الجميع على العمل الوحدوي للمصلحة الوطنية العليا.