الكاتب:
معتز خليل – باحث سياسي مقيم في لندن
ووقعت الفصائل الفلسطينية على "إعلان مصالحة" بوساطة جزائرية ، وجاءت الخطوة في ظل جهود اشترك فيها كبار مسؤولي حماس ، على رأسهم اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة ، وعزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح لتزيد من الأمل والطموح لإقرار هذه المصالحة.
الحاضرون وقعوا إلى جانب ممثلين عن الفصائل الفلسطينية الأخرى بيانا "للمصالحة الفلسطينية".
ومع تزامن التوقيع على هذه الاتفاقية حكم النظام القضائي لحركة حماس بالسجن المؤبد على عدد من ضباط فتح من غزة الذين كانوا على اتصال بمسؤولي السلطة الفلسطينية في رام الله ، في المقابل تواصل قوات الأمن الفلسطينية اعتقال وضرب عناصر حماس في الضفة الغربية أينما وجدوا.
ما الذي يجري:
يمثل الواقع الاستراتيجي على أرض الواقع السياسي الفلسطيني كثيرا من التحديات ، بداية من قيادات حركة حماس أو قيادة حركة فتح.
وبات من الواضح ان الكثير من القيادات السياسية في كلا من حركة حماس او فتح لا تخطو الكثير من الخطوات اللازمة من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية الشاملة.
ويستدل على ذلك من :
1- الكثير من قيادات حركة فتح لا تزال رهن الاعتقال في سجون حركة حماس ، بالإضافة إلى أن الكثير من قيادات حركة حماس تتعرض للاعتقال والمطاردة على يد عناصر الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وهناك كثير من التوجس او الرفض لمناقشة هذه القضايا علانية على الساحة السياسية.
2- لا تزال كثير من آليات المصالحة الفلسطينية معطلة ، بداية من التكامل والتنسيق السياسي بين مختلف الأطراف ، وعدم استضافة المدراء أو الوزراء الفلسطينيين في مواقع العمل او دواوين الوزارات المختلفة بغزة ، وفي المقابل لا يتم السماح للمدراء في هذه الوزارات من أبناء حركة حماس بزيارة مقار الوزارات أو الهيئات السياسية الموجودة في الضفة الغربية.
3- بات من الواضح إن هناك أطرافا سياسية إقليمية لا تراهن كثيرا على نجاح هذا الاتفاق ، واللافت مثلا أن هناك صحفا سياسية ترتهن او تمول من بعض الدول الخليجية والتي كشفت عن تفاصيل ما أسمته بالفتور السياسي الفلسطيني الفصائلي المرافق لعملية التوقيع . وعلى سبيل المثال قالت صحيفة “القدس العربي” أن هناك خلافات كبيرة تفجرت خلال اجتماعات الجزائر، أكبر مما أعلن عنها قبل التوقيع على الاتفاق ، ونقلت الصحيفة عن مصدر وصفته بالمشارك في تلك الاجتماعات إن التباينات في المواقف، ورفض حركة حماس القبول بتشكيل حكومة وحدة أو توافق وطني، يقبل بالقرارات الدولية وبرنامج المنظمة، مثل أزمة كبيرة ، بل وكاد أن يطيح بالجهود السياسية لإقرار التسوية ، ونتيجة لهذا الأمر تدخل فريق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بشكل مباشر، وكذلك الفريق المكلف من الخارجية والأمن، من أجل تجاوز نقطة الخلاف الرئيسة، والتي تشكل العمود الفقري لأي اتفاق مصالحة، وهي حكومة الوحدة وبرنامجها.
صعوبات سياسية:
الاتفاق الموقع من قبل الفصائل الفلسطينية في الجزائر ، تضمن تسع نقاط، كان أبرزها :
1- إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس في مدة أقصاها عام من التوقيع.
2- تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية، وعلى اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام.
3- تعزيز وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بجميع مكوناتها ولا بديل عنها.
نص البند التاسع في “إعلان الجزائر” للمصالحة نص على تولى فريق عمل جزائري – عربي الإشراف والمتابعة لتنفيذ بنود هذا الاتفاق بالتعاون مع الجانب الفلسطيني، على أن تدير الجزائر عمل الفريق ، ويمثل هذا البند تحديا سياسيا كبيرا خاصة مع صوبة تنفيذه ، وهو ما أشار إليه صراحة حزب الشعب الذي عبر وبشكل واضح عن ضعف فرص تطبيق الاتفاق ، وقال وليد العوض عضو المكتب السياسي للحزب إن أي اتفاق لا يتضمن تشكيل حكومة موحدة تعمل على وحدة المؤسسات وتحضر لإجراء الانتخابات وتعالج الأزمات، ودون الهبوط بالموقف السياسي، سيكون مجرد ذر للرماد في العيون ، وهو ما يمثل اعترافا بصعوبة تطبيق هذه البنود”.
كل هذا يأتي مع الكشف عن شطب البند رقم 7 الخاص بتشكيل حكومة جديدة، تشرف على توحيد المؤسسات الفلسطينية، وكذلك تشرف على عملية الانتخابات، والتي تعد ركنا أساسيا لنجاح أي اتفاق مصالحة قادم.
والحاصل فإن غالبية القوى السياسية استبعدت إمكانية تنظيم الانتخابات قريبا هذا العام أو حتى العام القادم ، لأسباب كثيرة لعل أبرزها وجود تباين سياسي يتعلق بمصالح الدول الإقليمية الراعية للمصالحة والمهتمة بإقرار هذه المصالحة بالنهاية.
وبجانب هذا من غير المتوقع ان تسفر مباحثات المصالحة الحالية عن جهود "واقعية" يمكن ان تساهم في تمهيد الأجواء السياسية للقيام بالمصالحة على أكمل وجه، خاصة مع تباين الكثير من وجهات النظر بين الطرفين فتح وحماس بالنسبة للكثير من القضايا.
يتزامن كل هذا مع تصعيد حاصل بالشارع الفلسطيني ، وهو التصعيد الذي توج بالضربات التي توجهها بعض من الفصائل الفلسطينية للاحتلال ، الأمر الذي يزيد من دقة هذه القضية.
توقع استراتيجي:
بات واضحا إن هناك تباينا سياسيا واستراتيجيا بين الفصائل ، وهو التباين الذي يزداد عمقا مع الشعبية الكبيرة التي تكتسبها الفصائل المسلحة في الشارع الفلسطيني ، وهو ما يزيد من طموحات الشارع ويقلل من إمكانية ان تسفر الخطوات السياسية التي يمكن أن تتخذها الفصائل عن أي جديد في طريق المصالحة الداخلية الفلسطينية.