الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الغاية والوسيلة وحق الإضراب عن العمل الطبي من منظور شرعي

نشر بتاريخ: 28/10/2022 ( آخر تحديث: 28/10/2022 الساعة: 21:20 )

الكاتب:

د. سهيل الاحمد

إن ممارسة العمل الطبي من المنظور الشرعي تعد من أهم ما يعمل به في حفظ النفس الإنسانية المعتبر من جملة مقاصد الشريعة الإسلامية الضرورية، والقيام بتنظيم ممارسته يحقق المصالح المتعلقة بحفظ النفس، والقاعدة الشرعية تقول: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة، حيث إن تصرفات الراعي ينبغي أن يكون الغرض منها تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وكل تصرف لم يراعِ فيه الراعي تحقيق المصلحة ولم يتخذ الوسائل المؤدية لذلك؛ فقد وقع غير منتج للأثر الذي يراد منه، وهنا فقد وضعت الشريعة الإسلامية الوسائل المتعلقة بالممارسة الطبية؛ لأن الله تعالى تعبدنا بالوسائل والأسباب كما تعبدنا بالمقاصد والغايات و"لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلهما مقصود". ومن المقرر في العمل الطبي أن الطبيب يلتزم ببذل العناية الفائقة في علاج المريض وليس برءه وتحقيق الشفاء له وفق الحالة الإنسانية الطبيعية، ولذلك فهو يفعل واجبه بالمقدار الذي يجب وفي الوقت الذي يجب، ثم ينتظر حصول غاية ذلك ليس إلا وفق المنظور الشرعي.

إن الإضراب إذا قام به المضرب بقصد تحسين ظروف العمل ونحو ذلك فهو يعد من الأمور الجائزة، طالما أن الضرر المتعلق بالقيام به أقل من الضرر المترتب حال لم يتم إجراؤه، والشرط في ذلك كله ألا يضر بالمصلحة العامة، وألا يكون قد خالف ما التزمه الطرفان من شروط تتمم ما أوكل إلى كل منهما من أمور ومسؤوليات، وألا يكون فيه مخالفة للعقد المبرم بين الطرفين من حيث الأصل، ومن المهم في كل ذلك ألا يوقع الناس في حرج ومشقة غير محتملة حال قضاء حوائجهم وذلك لاعتبار القيام على ما يتم به المعاش الذي به قوام الدين والدنيا من فروض الكفايات، وإن تضافر الناس على إبطال ما تتم به المعاش يعد من قبيل تعطيل فرض كفاية، وهذا أمر يوقع الناس في الإثم لتركهم هذا الفرض الذي لم يقم به عددهم الكاف لتحقيق مصالح الناس ومعايشهم، وبالتالي يكون الإضراب الطبي العام ودون استثناءات يعد من قبيل تعطيل فرض الكفاية، والمساهمة في جلب الضرر والمفسدة الصحية التي يحتاج الناس إلى تحقيقها حال مرضهم. والطب كالشرع فقد وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام، ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك، ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك، فإن تعذر درء الجميع أو جلب الجميع، فإن تساوت الرتب تخيّر، وإن تفاوت استعمل الترجيح عند عرفانه، والتوقف عند الجهل به، والذي وضع الشرع هو الذي وضع الطب، فإن كل واحد منهما موضوع لجلب مصالح العباد دون درء مفاسدهم، وكما لا يحل الإقدام للتوقف في الرجحان في المصالح الدينية حتى يظهر له الراجح، فكذلك لا يحل للطبيب الإقدام مع التوقف في الرجحان إلى أن يظهر له الراجح، وما يحيد عن ذلك في الغالب إلا جاهل بالصالح والأصلح، والفاسد والأفسد...، وبشكل عام فإن الإضراب الطبي يرتبط بفقه الموازنات بين المصالح والمفاسد المتعارضة، وذلك من جهة أنه يجب على الطبيب وبمقتضى مهنته ومسؤوليته الطبية والشرعية أن يبذل العناية اللازمة لحفظ أرواح الناس ومتعلقاتهم بالعلاج والمداواة، ومن جهة أنه لا يجوز للطبيب أن يعمد إلى تحصيل الضرر لنفسه ولغيره من الناس حال الممارسة الطبية، وبالتالي فإن الإضراب أمر تتعلق به هذه المحددات عند تحديد الحكم الشرعي والمعالجة الشرعية لموضوعه.