الكاتب:
تتصاعد الأحداث في الضفة الفلسطينية، وترتفع وتيرة العدوان الإسرائيلي الذي لم يتوقف أبدا على الشعب الفلسطيني وحقوقه، في معركة لن تكون الأخيرة مع إصرار الاحتلال على أن الضفة الفلسطينية هي "يهودا والسامرة" كعقيدة عسكرية وأمنية واقتصادية تعد أرضها أهم من تل أبيب.
أحداث المدن الفلسطينية الثائرة جراء الاعتداءات الاحتلالية وغياب أي أفق للسلام وتسارع مشروع الاستيطان والتهويد في القدس والخليل ونابلس، جاءت بعد إعلان القيادة الفلسطينية في أكبر المحافل الدولية عن انتحار الامل الفلسطيني في حل الدولتين بعد ربع قرن من الكذب.
إذن.. نحن أمام جولة أوسع من العدوان تريد منها حكومة الاحتلال كسر الإرادة الفلسطينية، وترويض الغضب الوطني للقبول بمعادلة العمل مقابل الأمن، أو الرغيف مقابل الحق، وعلى المدى القصير تريد المكونات السياسية الإسرائيلية التنافس في سوق الانتخابات على حساب الدم الفلسطيني أمام مجتمع تدفعه السياسة الرسمية بشكل منهجي نحو مزيد من التطرف والتشدد والخوف.
المواجهات الحالية أخرجت جيش الاحتلال من حالة الراحة والاسترخاء إلى نشر أكثر من نصف القوات في شوارع وأزقة الضفة، لملاحقة أطفال وشبان الحجارة والخلايا العسكرية الشعبية في استنزاف لجيش الاحتلال والأجهزة الأمنية وهي عملية مرهقة جدا خاصة في ظل وجود قيادة للجيش ذات طموح سياسي في جولة الانتخابات المقبلة.
على المدى القصير والبعيد استمرار إنهاك جيش الاحتلال بمقاومة سلمية شعبية سيكون أكثر تأثيرا على قوات الاحتلال، ويشكل ضغط حقيقي عليهم في مواجهة جماهير الحجارة والمسيرات الشعبية والفعاليات النشطة في المناطق التي تواجه عمليات الاستيطان.
كما أن هذا النوع من المقاومة يحقق حضور اعلامي حقيقي ضاغط على دولة الاحتلال ومشاهد اذلال جيش تدرب على المواجهات الحربية، وليس التصدي للشباب والشابات واعتقال الأطفال والركض خلفهم، والأهم أن الفاتورة من دماء شبابنا ستكون أقل في نضال يحتاج النفس الطويل ضمن رؤية سياسية جادة.
إن جيش الاحتلال يجد نفسه في وضع أفضل عندما تكون المواجهة مع حالة عسكرية، يعمل على تضخيمها لتكون موازية لقوته، ويُظهر للمجتمع الإسرائيلي والعالم انه في أتون معركة عسكرية مع مسلحين، وليس مع شعب محتل يواجه حرب مفتوحة لشطب هويته ومصادرة أرضه وسلب حريته والسطو على حقوقه.
لقد تعلمنا من التجارب السابقة أن جيش الاحتلال يحتاج دوما الى هدف عسكري ليخرج ترسانته الحربية، ويقود مواجهة دموية ومكلفة لشعبنا، كما حدث في كل الجولات منذ انتفاضة الأقصى قبل 22 عاما، وفي الذاكرة معركة جنين عندما التحم أبناء المخيم من مقاومين مع أبناء الأجهزة الأمنية في صمود اسطوري لكنه كان بتكلفة كبيرة على شعبنا.
صحيح ان من حق شعبنا القانوني الكفاح المسلح ضد الاحتلال والذراع الحربي الاخر المتمثل في جيش المستوطنين، لكن رصيد التجربة وطبيعة الاحتلال تتطلب ان يكون لنا تكتيك أخر لإهانة جيش الاحتلال، وليس هزيمته واستلهام تجربة الانتفاضة الأولى عام 1987 بعيدا عن كل مظاهر العسكرة التي تتطلب أولا وحدة وطنية واصطفاف حقيقي حول مشروع وطني يحدد أدواته وخطته بكل دقة، أما الآن فليس من المطلوب الاستدراج نحو ما يريده الاحتلال.
أخيرا على القوى الوطنية ضبط غضب الشارع وصهره في إطار مقاومة شعبية بعيدا عن مظاهر السلاح والعسكرة لإطالة أمد المعركة وسحب الذرائع الإسرائيلية لحصار المدن واستخدام الضغط الاقتصادي واستنفار دموية جيش الاحتلال.
يجب على القوى الوطنية إعادة الاعتبار الى القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية التي أعلنت عن برنامج نضالي يستند الى تفاهمات مؤتمر بيروت، والانصهار في عمل وطني شعبي سلمي كفاحي والاستفادة من خطاب الرئيس في الأمم المتحدة ولحظة الإحباط السياسي لدى السلطة الوطنية بدلا من استخدام هذه التطورات للمناكفات الداخلية.
يجب الخروج من معارك النفس القصير، والمكاسب الآنية الحزبية الوهمية، الى مسار وطني تحرري تشاركي يزيد من نقاط شعبنا في مسيرة نضاله مكاسب حقيقية جديدة، وترفع منسوب التضامن العالمي والاهتمام العربي الذي لم تكسره اتفاقيات التطبيع العابرة.
لأن المطلوب الإفلات من الكمين الإسرائيلي الدموي الذي لن ينتهي بنتائج الانتخابات بل مسعى دولة الاحتلال لتطبيق صفقة القرن عبر عمليات السور الواقي الموجودة في أدراج جيش الاحتلال الذي يرى النموذج الروسي في ضم الأرض فرصة لحسم الصراع الديمغرافي والجغرافي في الضفة الفلسطينية قبل أي مؤتمر سلام قد تفرضه التوازنات الدولية لاحقا.