الكاتب: هبة بيضون
في الذكرى الخامسة بعد المائة لإعلان بلفور، الذي أعطى من لا يملك لمن لا حق له، والذي صدر عام 1917، والذي أعطيت خلاله فلسطين، بجرة قلم من وزير خارجية بريطانيا آنذاك، المدعو آرثر جيمس بلفور، وبمباركة أميركا وفرنسا وإيطاليا ولاحقاً اليابان، إلى اليهود المشتتين في كافة بقاع الأرض، لتكون فلسطيننا وطناً قومياً لهم، حيث أقنعوا بأنها أرض الميعاد، ووعدوا بالعيش فيها بأمن وأمان، ولكنهم لم يجدوه، وبدأ البعض منهم بالهجرة المعاكسة.
يحضرني في هذا اليوم، ما قمنا به كفلسطينيين على الصعيدين الرسمي والشعبي، بعد سنوات طويلة من هذا الإعلان أو التصريح، الذي اعتبره البعض بأنه وعد تم تنفيذه مباشرة، وبعد أن أصبح لدينا سلطة وطنية فلسطينية على جزء من أرضنا (المفروض أنها محرّرة)، كنوع من مواجهة هذا التصريح بالطرق المناسبة للمرحلة.
فعلى الصعيد الشعبي، هناك مطالبة من أبناء الشعب الفلسطيني باعتذار بريطانيا عن وعد بلفور، وعن الظلم والتهجير الذي تعّرض له نتيجة لذلك، ممثلة بالعريضة التي قدّمها منيب المصري إلى القنصلية البريطانية في القدس ضد تصريح بلفور ومطالبتها بالاعتذار وما نجم عنه بحق الشعب الفلسطيني زمن الانتداب، وكذلك بالرسالة التي وقعها ممثلو وأعضاء من الجالية الفلسطينية في بريطانيا والتي كانت موجهة إلى بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، يطالبون فيها بريطانيا بالاعتذار عن تصريح بلفور.
أما على الصعيد الرسمي، فقد كان هناك جهود قانونية فلسطينية جادة من أجل إعداد دراسة حول آثار "وعد بلفور" ومطالبة بريطانيا بالتعويض عن ذلك.
على الرغم من هذه الجهود، إلّا أنّ الحكومة البريطانية صرّحت بأنها لن تقوم بأيّ اعتذار ولا نيّة لها لذلك، ولكن يجب أن يبقى موضوع الاعتذار قائماً مهما طال الزمن، لأنّ الأذى الذي لحق بالفلسطينيين جرّاء هذا التصريح سيبقى وصمة في التاريخ البريطاني، وعدم الاعتذار لن يسقط المطلب الفلسطيني بذلك مهما طال الزمن.
كما أنّ بريطانيا لن تقدم أيّ تعويضات طولبت بها جراء ما حلّ بالشعب الفلسطيني نتيجة هذا التصريح، ولو أنّ هناك ايّ نيّة لديها لدفع أيّ تعويضات، لكان الأحرى أن تقوم بتعويض الفلسطينيين عن المكاسب التي حقّقتها جرّاء إصدارهم الجنيه الإسترليني كعملة للتداول في فلسطين زمن الانتداب، كما عوضت إسرائيل.
هل الاعتذار أو التعويض أو كلاهما هو ما ننتظره وما نألو إليه وما يعيد لنا حقوقنا؟ ماذا يعني أن ترتكب جريمة بحق شعب، يدفع ثمنها بأن يخسر كل ما يملك، ويهجر من وطنه، ويصبح لاجئاً في الشتات، ويدفع ثمنها دماء الشهداء التي سالت منذ ذلك الحين ولا تزال تسيل، ومن ثمّ تقول له أنا آسف، لقد غلطت بحقكم، وسأعوضكم بعض المال.
الاعتذار في هذه الحالة لا يكفي، وكذلك التعويض المالي، وكلاهما معاً لن يعوض الشعب الفلسطيني ما عاناه ولا زال يعانيه نتيجة ذلك التصريح، والحل الوحيد لكي يغفر الفلسطينيون لبريطانيا هذا الذنب هو اعترافها بأنّ ذلك كان خطأ تاريخياً، وبالتالي الاعتراف الفوري بدولة فلسطين، والعمل على تمكين الفلسطينيين في إقامة دولتهم الديمقراطية المستقلة على ترابهم الوطني، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي وكل أنواع الدعم لها، والعمل على عودة من يرغب من اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى فلسطين، كما عليها أيضاً أن تقوم بالضغط على الدول الأوروبية التي لم تعترف بدولة فلسطين بعد، الاعتراف بها، حيث أنّ هذا أقل ما يمكنها القيام به لتعويض الفلسطينيين.
كما أنّ من تبعات "تصريح بلفور" ومعاونة بريطانيا للحركة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين، نتائج إنتخابات الكنيست يوم أمس، والتي أفرزت مجموعة من اليمينيين المتطرفين العنصريين، هذا التطرف اليميني المتمثل بالأحزاب المتطرفة والمستوطنين سينعكس على ممارسة المزيد من العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة 48، ومزيد من الاضطهاد ومصادرة الأراضي والاعتقالات والاغتيالات والظلم، وذلك من من خلال سن التشريعات والقوانين العنصرية التي ستستهدف بقاء الفلسطينيين على أرضهم. علماً أن الإسرائيليين يجب أن يكونوا الأكثر تعاطف مع الشعب الفلسطيني، لما تعرضوا له من ظلم.
ولكن مهما بلغ الاضطهاد وحجم الهجمة المتطرفة على الشعب الفلسطيني بهدف تهجيره وطرده من أرضه والاستيلاء على ممتلكاته وعقاراته، إلّا أنّ هذا الشعب صامد، مجاهد، ولن يتخلّى عن حقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
وبغض النظر عن الفائز في الانتخابات، ومن سيشكل الحكومة القادمة، إلّا أنه ما لم يأخذ الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة، فإنّ أي من الشعبين لن ينعم بالسلام، وكذلك منطقة الشرق الأوسط.
وسيأتي يوم يعترف نتنياهو وزمرته من المستوطنين ممن سيشكلون الحكومة بحقوق الفلسطينيين كما اعترف بها رابين من قبل.