الكاتب:
الكاتب: جيهان اسماعيل
واجه المجتمع اللبناني أزمات كثيرة في تاريخه. مرّ بحروب أهلية عدّة واجتياحات إسرائيلية. تعرّض وعانى من انهيار سعر صرف الليرة وموجات التضخّم المنفلت وعانى أيضاً من تراكم العجوزات المالية والجارية والمديونية الباهظة.واودائع الغير معروف مصيرها.. اليوم، يواجه هذا المجتمع أزمة أخرى تُضاف إلى أزماته، ويشعر الناس بالقلق ويعبّرون عن التشاؤم وفقدان الثقة بإمكانية تجاوزها كما تجاوزوا الأزمات السابقة، ما يطرح سؤالاً عريضاً وعاماً: هل الأزمة الراهنة هي الأكبر والأصعب؟ فهل الكرسي الفارغ سيصنع الفوضى ام يقتلع الفساد؟
يمكن القول – بإيجاز شديد – بأن تركيبة لبنان السياسية والطائفية الهجينة، وموقع لبنان الحسّاس في قلب الصراع العربي- الإسرائيلي، قد أدّيا إلى أزمات سياسية وأمنية واقتصادية خطيرة ومتتالية، منذ مرحلة الاستقلال وحتى الانهيار الأخير، وذلك لوجود رؤى متناقضة ومتصارعة بين الفئات اللبنانية حول مختلف القضايا، وبما أفسح المجال واسعاً أمام استشراء نظام المحاصصة والفساد من جهة؛ وشرع الأبواب أمام التدخلات الخارجية التي أرهقت البلاد والعباد طيلة عقود مضت، والتي لا يتسع المقام لتعدادها وتحليله
وتكفي ملاحظة اختلاف القوى السياسية اللبنانية المرير، منذ مرحلة اتفاق (دستور) الطائف وحتى اليوم، بشأن تطبيق نصوص الاتفاق فيما يخص صلاحيات رؤساء السلطات الثلاث، وإلغاء الطائفية السياسية، ودور لبنان الإقليمي والدولي، وطبيعة نظامه الاقتصادي والمالي.
لقد كشفت حالة الاستعصاء الأخيرة فيما يخص تشكيل حكومة جديدة عن مكامن خلل بنيوية وخطيرة في دستور الطائف، ترتبط بصلاحيات رؤساء السلطات الثلاث، كما بمسألة العلاقة الملتبسة بين طوائف ومذاهب وفئات المجتمع اللبناني، ومصالحها ورؤاها المتناقضة أو المختلفة حيال سياسات البلاد الداخلية والخارجية، وتحديداً فيما يخص العلاقة مع المحيط العربي والإسلامي، والغرب، والموقف من الصراع العربي – الإسرائيلي، وهي القضايا ذاتها التي اختلف عليها اللبنانيين منذ الاستقلال عام 1920.بالاضافه الى التحولات الدوليه الكبرى للمنطقة خلال العقدين الماضيين وخصوصاً، بعدما بلغت التوازنات الداخلية مرحلة مفصلية في ظل مراهنات خائبة على انتصار محور على آخر في المنطقة (محور المقاومة ومحور الاعتدال)، مع واحتمال توقيع اتفاق جديد قريباً بين الولايات المتحدة وإيران بشأن ملفها النووي.والحرب الروسيه الاوكرانية ومانتج عنها من ازمات اقتصاديه.
في ظل هذه الظروف غادر الرئيس اللبناني، ميشال عون، الأحد، قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته كرئيس للجمهورية، أنالخروج من "الهوة" التي وقع فيها لبنان لا يمكن أن يتم إلا عبر اتفاق ترسيم الحدود وقال عون في كلمة أثناء مغادرته قصر بعبدا وسط حضور عدد من مؤيديه: "وجّهت رسالة إلى مجلس النواب بحسب صلاحياتي الدستورية ووقعت مرسوم استقالة الحكومة"، حسب قوله.وتابع الرئيس اللبناني المنتهية ولايته قائلًا: " أنتم معي وأنا معكم... اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى تحتاج لنضال وللكثير من العمل لكي نخرج من أزماتنا"،وأردف عون: "البلد مسروق وعلينا أن نقوم بالكثير من العمل والكثير من الجهد لكي نقتلع الفساد من جذوره".، بسبب عدم وجود خلف له قائلا: "الفراغ لا يملأ الفراغ"وأضاف عون في حديث لـ"رويترز: العقوبات الأميركية لا تمنع جبران باسيل من الترشح للرئاسة اللبنانية، "ونحن نمحوها" بمجرد انتخابه رئيسًا.وحذر عون من"فوضى دستوريه"وكشف دور حزب الله في التفاوض مع إسرائيل ،
وكان عون غادر السبت القصر الجمهوري في بعبدا من دون تسليم مهامه لخلف له، لتدخل البلاد على إثر ذلك في سادس شغور رئاسي في تاريخ الجمهورية الحديث، لكنه يختلف عن سابقيه بأنه يحدث في ظل حكومة مستقيلة حكما بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو/أيار الماضي.
ورد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على مرسوم الرئيس المنصرف بالقول إن حكومته ستتابع القيام بواجباتها الدستورية، ومن بينها تصريف الأعمال.
وأوصى مجلس النواب اللبناني يوم الخميس الماضي بأن تواصل الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي بتصريف الأعمال، بعد أن كان الرئيس المنصرف ميشال عون وقع قبيل انتهاء ولايته مرسوما يقضي باعتبارها مستقيلة، مما أثار جدلا بشأن دستورية قراره ،آكد ضرورة أن يواصل رئيس الحكومة المكلف القيام بمهامه على رأس حكومة تصريف أعمال وفقا للأصول الدستورية،وأضاف رئيس البرلمان السيد نبيه بري أن البرلمان اتخذ هذه التوصية من منطلق الحرص على عدم الدخول في أزمات دستورية جديدة، وعلى الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصاديا وماليا واجتماعيا تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات،وأعلن رئيس المجلس عن جلسة برلمانية جديدة ستعقد الخميس المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية خلفا لميشال عون، وكان البرلمان اللبناني فشل خلال 4 جلسات سابقة في انتخاب رئيس للجمهورية بسبب انعدام التوافق على مرشح تقبل به مختلف القوى السياسية.
وينص الدستور اللبناني على أن تتولى الحكومة صلاحيات الرئيس في حال تعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي.
مع إقتراب موعد المهلة الزمنية المحدّدة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، يبدو أن لبنان قد يكون، في الفترة المقبلة، على موعد مع أزمة خطيرة، لا سيما في ظلّ الخلاف العلني القائم حول قدرة حكومة تصريف الأعمال، على تسلّم صلاحيّات الرئيس، في حال لم ينجح المجلس النيابي في إنتخاب خلف لرئيس الجمهورية ميشال عون .
هذا الواقع، دفع العديد من الأفرقاء إلى تجديد الدعوة لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، لكن من حيث المبدأ فرص التوافق لا تبدو كبيرة، الأمر الذي أعاد الحديث عن إحتمال الوصول إلى خلاف دستوري إلى الواجهة.
في هذا السياق، يبدو أنّ الجميع مقتنع بعدم بقاء عون في قصر بعبدا، سواء نجحت جهود تأليف الحكومة أو فشلت، وهذا ما يؤكد ما يؤكد عليه الخبراء الدستور ين في أن بقاءه بعد 31 تشرين الأول غير وارد، وهو سيخرج مرفوع الرأس عند إنتهاء ولايته.
وان احتمالات تجنب تزامن الشغور الرئاسي مع حكومة تصريف أعمال تتركز على إجراء إنتخابات رئاسيّة، أو تأليف حكومة تنال ثقة المجلس النيابي منعًا لإحتمال الوقوع في الشغور، ويلفتون إلى أن التأليف، في المرحلة الراهنة، هو مع نجيب ميقاتي، لكن إذا ما تبين أن هناك ممانعة من قبله لا بد من البحث عن حلول أخرى.
ويرى بعض الخبراء أمام صراحة المادة 62 من الدستور، التي تنصّ على أنه "في حال خلوّ سدّة الرئاسة لأيّ علّة كانت تناط صلاحيّات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء"، وعملاً بسوابق حصلت بعد إتفاق الطائف ، أبرزها مغادرة الرئيس السابق إميل لحود عند إنتهاء ولايته، بالرغم من أنّ الحكومة في حينها كانت، من وجهة نظر فريق الرئيس، غير ميثاقيّة وغير دستوريّة،
نظراً إلى أنّ المادة 69 من الدستور تنصّ على أن ولاية رئيس الجمهورية هي 6 سنوا.
أمام هذه الواقع، يصبح من الضروري البحث عن الخيارات التي يحددها الدستور، في ظل الخلاف السياسي-الدستوري المنتظر، حول قدرة حكومة تصريف الأعمال على تسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية.
ويرى البعض الاخر أنه قبل الوصول إلى هذه المرحلة، من الممكن إعادة البحث بتكليف شخصيّة أخرى تأليف حكومة تنال ثقة المجلس النيابي، سواء كان ذلك نتيجة إعتذار ميقاتي أو بتفاهم بين رئيس الجمهورية والأغلبيّة النّيابية على سحب التكليف منه، ويؤكّد أنّ ليس هناك من نصّ دستوري حول هذه المسألة، لكن صاحب التكليف ومصدره هو رئيس الجمهورية والمجلس النيابي، وفي حال قررا نزعه يملكان القدرة على ذلك.
و يوضحون أن خيار تسليم رئيس الجمهورية الحكم إلى حكومة ينتقيها أو يختارها كان وارداً قبل إتفاق الطائف، كما حصل عندما قرر الرئيس السابق أمين الجميّل تسليم الحكم إلى المجلس العسكري، لكنه يؤكد أنه بعد الطائف أصبح هذا الأمر مستحيلا نظراً لصراحة النص، ويشدّد على أنّ حكومة تصريف الأعمال قادرة على تسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية عند إنتهاء ولايته.
ويرى البعض أن ذلك يمكن التأكيد عليه من خلال العودة إلى الإجتهادات الدستورية السابقة، أي غير المرتبطة بالواقع الحالي، نظراً إلى أن تلك التي تصدر في الوقت الراهن قد تكون مرتبطة بحسابات ضيّقة،
وأنّه بحال إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية، من دون إنتخاب رئيس جديد أو وجود حكومة كاملة الصلاحيّات، ستكون البلاد بمواجهة أزمة نظام، تفتح الأبواب أمام تعديل إتفاق الطائف والأحكام الدستوريّة التي انبثقت عنه، ويشدّد على أنّ المخرج الوحيد هو بالذهاب إلى إنتخاب رئيس جديد، قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي، أو بالذهاب إلى تأليف حكومة تنال ثقة المجلس النيابي.
وعليه، ومهما كانت طبيعة السيناريو الذي سيشهده لبنان خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، فإنه من الأجدى للقوى اللبنانية الأساسية، ومن ضمنها مجموعات الحراك الشعبي، أن تعتمد لغة الحوار المعمّق والمفتوح فيما بينها حول القضايا الجوهرية، مثل هوية لبنان ومصير اتفاق الطائف وإلغاء الطائفية السياسية وعلاقة لبنان مع محيطه، والدور المستقبلي للمقاومة والجيش اللبناني في أي استراتيجية دفاعية للبلاد، إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية المستقبلية، والتي يجدر أن تكون عادلة ومتوازنة، لحماية لبنان من أي هزّات أو انتفاضات أخرى. فالتوافق حول قواسم مشتركة هو قدر اللبنانيين المحتوم، ولدى اللبنانيين كل مقوّمات النهوض المادية والمعنوية ببلدهم إذا ما اجتمعت إراداتهم وطاقاتهم الهائلة، بعيداً عن التأثيرات والضغوط الخارجية أياً كان مصدرها.
تؤدي تطورات غير متوقعة إلى تداعيات كبيرة على الوضع السياسي والأمني والاجتماعي، مما يطيحو وبالواقع الراهن وربما بالانتخابات المقبلة، من سيتفاوض مع اسرئيل حول تحديد الحدود ومتابعه اتفاقيه الغاز مع اسرائيل نذكر منها حصول عدوان إسرائيلي واسع على لبنان، أو تحوّل الاحتجاجات الحالية إلى ثورة شعبية عارمة تقلب كل الحسابات.
في المحصّلة، البلاد، عند إنتهاء ولاية عون، ستكون حكماً أمام خلاف سياسي-دستوري خطير، يمكن التكهّن بكيفيّة الخروج منه، بينما المخارج البديلة محدّدة بولادة حكومة، تنال ثقة المجلس النيابي، أو إنتخاب رئيس جديد قبل هذا التاريخ، في حين أن الصعوبات التي تعتري الأمرين معروفة.