الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانتخابات والفوقية اليهودية واكذوبة اليسار الصهيوني

نشر بتاريخ: 06/11/2022 ( آخر تحديث: 06/11/2022 الساعة: 11:46 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي

لقد حققت انتخاباتهم ما كانت تحققه دائما من جوهر وهدف وعد بلفور المشؤوم الذي حلت علينا ذكراه قبل أيام ، اخطار وتحديات كبيرة قادمة امام شعبنا في ظل نتائج تلك الانتخابات تعكس التنامي في عقليتهم وبيئة مجتمعهم الاستعمارية الفاشية العنصرية والتي لا يوجد لمفهوم السلام مكانا فيها ، ليستكملوا ما وعدتهم به قوى الاستعمار من خلال اليهودي الصهيوني بلفور لتجسيد فكرة أرض بلا شعب "لشعب" بلا أرض ، وتحقيق امتداد لمنهج الاستعمار في منطقتنا من خلال الاستيطان وقهر اصحاب الأرض.

برأي ان شيئا لم يتغير ، لأنها كانت دوما هكذا ، فجوهر الحركة الصهيونية منذ بداياتها وكتابة بروتوكولات حكماء صهيون ، يقوم على أساس الاضطهاد والاستعمار الاستيطاني وانكار وجود شعبنا ونفي حقنا في تقرير المصير ، أمام اختلاق بدعة ومفهوم "الشعب اليهودي" ليستوطن في كيان فوق مفهوم القانون الدولي حتى يتسنى لهم تنفيذ رؤيتهم دون محاسبة أو عقاب في ظل حماية تاريخية مستمرة حتى اليوم ممن ابتدعوه من قوى الاستعمار العالمي .

سيكون القادم هو استدامة وتصعيد جرائمهم المستمرة منذ اكثر من سبعة عقود ، لمحاولة تنفيذ ما تبقى من مشروعهم الصهيوني ذو البعد الديني التلمودي المزعوم في ظل واقع إقليمي ودولي لن يواجه سياساتهم الآن ، إلى حين ان يتغير واقع النظام الدولي ونشؤ ظروف دولية جديدة تنتهي فيها هيمنة القطب الواحد الأمريكية.

وهنا ورغم ظهور متغيرات جارية على الساحة الحزبية والبرلمانية لدولة الاستعمار لها علاقة بنتائج انتخاباتهم قبل أيام ، والتي باتت معالمها ظاهرة منذ محاولات إسقاط الحكومة الإسرائيلية التي كانت قائمة بناء على تبريرات القواعد الدينية اليهودية واصولها والمنافسة على جوهر تطبيق الفكر الصهيوني ، الا ان استمرار الإجماع حول الأحتلال والضم والتسابق في توسيع الاستيطان الاستعماري لم يكن يواجه تحديات في المجتمع اليهودي الإسرائيلي ولا يثير خلافات بين اطرافهم الحزبية المختلفة التي عكست مواقف ومتغيرات مختلفة لاستمرار الحكومة السابقة التي سقطت اول من امس .

كان امام هذا الواقع ان تصاعدت شعبية بن غفير وإن كانت ضرورية لزعيم الليكود، إلا أنها قد تثير قلقه أيضا. فلربما لم يكن نتنياهو قادرا على ضبط القوة التي خلقها، الأمر الذي جعله يبحث عن خيارات أخرى ، فكلما كانت لديه حكومة متجانسة أيديولوجيا، كان من السهل التحكم بها مقارنة مع التحالفات السابقة غير المتجانسة. وهذه لحظة مخيفة، فالناخب في إسرائيل والميال بشكل متزايد لليمين، اختار حكومة من المرجح تبنيها لمسار فاشي ومتطرف .

الا انها قد تكشف واقع وحقيقة ما تعنيه بالنسبة لمقولة الدولة الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب المنحاز في وصف دولة الاستعمار ، مما قد يدفع الليكود بتشكيل حكومة بالاشتراك مع الثلاثي المهزوم واستدامة مشروعهم المشترك لكن دون ضغوط عليهم من اصدقاؤهم على تشكيلة تلك الحكومة باستبعاد بن غفير وسموتريتش منها .

متغيرات ادت إلى رحيل الثلاثي الصهيوني نفتالي بينيت ولابيد وجانتس وعودة نتنياهو ورفاقه اليمينيون المتطرفون الاخرين الى الحكم بعنصرية اكبر بلا تغيير لا في المواقف ولا في مقاربة جدية لحلول قضايا الصراع والسلام الحقيقي ، إنها المنافسة بين التيارات الصهيونية نفسها ، فلا فرق .

انها دولة كولونيالية عنصرية بامتياز ، بانتظار عاقل يخرج من بين صفوفهم ليقرر أن كفى .

وحتى ذلك الحين الذي سيطول في ظل عجز ونفاق المجتمع الدولي والغرب منه تحديدا ، ستبقى إسرائيل دولة تعيش على اسنة الرماح والعواصف بعدم الاستقرار ، وسيجدون امامهم على الدوام ما دام احتلالهم جاثما على الصدور الردود اللازمة على جرائمهم المستمرة ، حيث أن شعباً "مزعوما " يضطهد شعب اخر لا يمكن أن يكون هو نفسه حراً .

ولكي يكون هناك تيارا يهودياً يسارياً في دولة الاستعمار الاستيطاني " إسرائيل " ، عليه أن يكون معاد لمنشاء الفكر الصهيوني الذي شكل أداة للفكر الاستعماري الغربي حتى ما قبل وعد بلفور وعمل على استغلال الدين اليهودي وفقرائه لمصالح اغنيائه وكبار التجار .

لقد ضَحت الحركة الصهيونية العالمية بإعداد كبيرة من اليهود في جرائم الحرب العالمية الثانية بالتعاون مع النازيين انذاك الذين سهلوا هجرة اليهود الي فلسطين مقابل المال ومحاولة تفريغ أوروبا من اليهود الذين ضاق منهم الأوروبيين لسيطرتهم على مفاصل المال ، ولعدم رغبتهم في حل المسألة اليهودية في إطار مجتمعاتهم الأوروبية ، فقدموا لهم التسهيلات من أجل دعم هجرتهم الاستيطانية إلى فلسطين انذاك . فلقد انخرطت الحركة الصهيونية في تنفيذ الجرائم ضد بني جلدتهم من اليهود الاوروبين ، الأمر والعقلية التي لم ولن تمنعها من تنفيذ الجرائم بحق وجود شعبنا الفلسطيني .

ولا يمكن لمن يعتبر نفسه يهوديا يساريا أو معاد للصهيونية باسرائيل او خارجها ان لا يعارض أسس الدولة الاستعمارية العنصرية وممارساتها وجرائمها حتى يومنا هذا بحق شعبنا الفلسطيني أصحاب الأرض الأصليين ، كأي مسلم أو مسيحي يساري أو تقدمي حول العالم .

بغير ذلك تكون محاولة اعتبار البعض من الاسرائيلين اليهود لهوية انفسهم الفكرية والسياسية اليسارية هي وهمِ وخداع وذر للرماد بالعيون.

فالهوية الفكرية اليسارية لا يمكن الا أن تحمل مفاهيم حرية الشعوب وتحررها الوطني وحقها في تقرير مصيرها ومعاداة كل أشكال الاستعمار والأحتلال والتمييز العنصري ومنها افكار الحركة الصهيونية ، إضافة إلى امتلاك رؤية اجتماعية اقتصادية وثقافية تقدمية تدافع عن العدالة والمساواة وحقوق المستضعفين والمسحوقين امام ممارسات أصحاب نظريات الاستغلال البشع وهذا امر غير قائم لدى من يسمون أنفسهم باليسار الصهيوني.

فالفكرتين والمفهومين تقفان على طرفي نقيض ، فبالرغم من استمرار الظلم التاريخي حول حقوقنا بكل اراض الآباء والاجداد وكاصحاب اصليين لها ، فانه حتى الخيار المُشرع لنا دوليا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس على كافة الأراضي التي احتلت عام ٦٧ وفق قرارات الشرعية الدولية وحل قضية اللاجئين وفق القرار ١٩٤ ، غير مقبول كاملاً لهؤلاء الذين يدعون بانهم يحملون فكر ما يسمى ببدعة اليسار الصهيوني بما في ذلك أيضا موقفهم من مسألة الحقوق القومية والمساواة لابناء شعبنا الصامدون والباقون بالداخل.

هنالك يهود كالمسلمين والمسيحين من حيث انتمائهم الديني ، قد شاركوا في تأسيس حركات تحرر ثورية سياسية واجتماعية وثقافية ذات بعد إنساني تقدمي حتى ببعض دول العالم العربي ومنهم من كافح الى جانبنا في مسيرة نضالنا الشاقة ، هؤلاء ينطبق عليهم مفهوم الهوية اليسارية الفكرية ومعاداة الصهيونية ، وقلة منهم يكافحون معنا من داخل المجتمع الإسرائيلي الان الذي تنمو فيه أصول الفاشية ، الذين يتوجب استمرار العمل والكفاح المشترك معهم ، امثال المناضل الشيوعي عوفير كتسيف الذي عمل وما زال بكافح مع ايمن عوده والطيبي وعايده توما وسامي ابو شحادة( الذي كنت اتمنى له النجاح ) من القائمة المشتركة .

ان كل اصحاب الفكر الصهيوني يريدونها دولة تتسم بالفوقية اليهودية العنصرية الخالصة وفق اسس روايتهم التوراتية المزعومة والفكر الصهيوني السياسي ، وينشدون توسيع الاستيطان وتعميق الاضطهاد ضد شعبنا ، ويؤكدون على حماية مستوطنيهم ويمارسون الجرائم و التمييز العنصري وانتهاك المقدسات وكل شبر من أرضنا ، في مجتمع اصبح يفتقر الى مجموعات سلام ويجنح اكثر واكثر نحو مبادئ حركتهم الصهيونية واهدافها وذلك بدعم من حركة المسيحيين الصهاينة الذين يتجاوز عددهم اليوم ٤٠ مليون بالولايات المتحدة الامريكية لوحدها وهم لا يحملون شيئا من قواعد الديانة المسيحية الأرثوذكسية أو الكاثوليكية ،بالإضافة إلى قوى اليمين الشعبوي والمحافظين والنيوليبرالين في اوروبا الذين تسابقوا امس في تقديم التهاني لنتنياهو .

اليسار الصهيوني اًكذوبة منذ نشأته المزيفة ، وقرار الغاء مساواة الصهيونية بالعنصرية بالأمم المتحدة عام ١٩٩١ كان خطيئة كبرى ، بعد أن كان قد اتخذ عام ١٩٧٥ بتصويت أغلبية الأعضاء خطيئة تاريخية مهدت لتوسيع جرائمها التي يدفع شعبنا ثمنها ، بل والإنسانية جمعاء ، كما هو قرار الادارة الأمريكية أيضا بشطب عصابة كاخ الصهيونية الدينية التي ارتكبت المجازر من "قائمة الإرهاب الأمريكية " أمرأ معيب بحق مفاهيم العدالة الإنسانية ومعاداة العنصرية ويشجع على استمرار الإرهاب ، وتأكيد على الانحياز ضد شعبنا في وقت ترفض فيه الإدارة نفسها شطب والغاء القرارات السابقة للكونغرس الأمريكي بحق منظمة التحرير الفلسطينية لعام ١٩٨٧ وتبعاتها اللاحقة .

الأمر الذي يفرض علينا برأي العمل من أجل إعادة إقرار جوهره بالجمعية العامة للأمم المتحدة بالتزامن مع ما يرتكب من جرائم الاحتلال وتقديم ملفاتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية .

امام ذلك علينا الان تقيم المرحلة والرؤية والاداء حتى نتمكن من الصمود والمقاومة والبناء من أجل أن نبقى في أرض أجدادنا واباؤنا ، ثابتين على حقوقنا في وطن ليس لنا سواه .