السبت: 30/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأكاديميون والسياسيون

نشر بتاريخ: 06/11/2022 ( آخر تحديث: 06/11/2022 الساعة: 14:00 )

الكاتب: هبة بيضون

يقوم الأكاديميون في مجال العلوم السياسية بعمل دراسات وأبحاث تستتند إلى المنهجية العلمية ويخلصون إلى نتائج وبالتالي توصيات، إذا لم تكن تلك النتائج والتوصيات موظفة في خدمة المجتمع، وفي خدمة السياسيين، لن يكون هناك قيمة لتلك الجهود.

لا بد أن يكون هناك نوع من تبادل المعرفة بين الأكاديميين والسياسيين، لتحقيق نتائج أفضل للطرفين، وهذا التبادل المعرفي يأتي نتيجة خلق نوع من التعاون الذي يفضي إلى إنتاج معرفة أفضل من قبل الأكاديميين، وقد تكون تلك المعرفة الناتجة تم تغذيتها بصورتها الأولية من السياسيين، سواء من أفكارهم أو سياسياتهم المتبعة أو أيّ ما ينتج عنهم، وهنا يأتي دور صنّاع القرار في تشكيل إنتاج المعرفة الأكاديمية، ثم يتم توريد تلك المعرفة الناتجة جرّاء البحث العلمي إلى السياسيين للاستفادة منها، بمعنى أنها دائرة تعاونية تهدف إلى تبادل المعرفة، وبالتالي إنتاج معرفة جديدة.

أحياناً، قد يكون هناك مصطلحات سياسية يستخدمها السياسيون أو مفاهيم يتداولونها عفا عليها الزمن، أو أنها قد تكون قد استنفذت واستهلكت بحيث لم تعد تؤثر في المجتمع الدولي ولا في العلاقات الدولية، كما أنه قد يكون هناك استبعاد لبعض المصطلحات والمفاهيم أو حتى الأفكار لدى السياسيين، سواء بقصد أو من غير قصد، وقد يكون لديهم إنكار لحالة معينة نتيجة تلك المفاهيم، كما قد يكون هناك حالة من السهو لبعض المفاهيم لدى البعض خلال عملية وضع السياسات سواء المحلية أو الدولية، وهنا يأتي دور الأكاديميين بالقيام بإعادة إنتاج هذه المعرفة للتأثير على صناع القرار وتوجيههم، وبالتالي التأثير على المؤسسات وعلى السياسات والإجراءات المتبعة في معالجة بعض الأمور السياسية، حيث أنّ بعض الموروثات المفاهيمية لدى السياسيين قد تقيّد إمكانات التفكير على المستوى الدولي تجاه قضيتنا عند طرحها، سواء في المحافل الدولية أو في اللقاءات الثنائية أو الجماعية (المؤتمرات وغيرها)، وهنا يأتي دور الأكاديميين بالتنبيه وإعادة إنتاج هذه الموروثات المفاهيمية بصورتها الصحيحة.

في واقع الحال، قد يكون هناك إشكالية، وهي وجود فجوة بين الطرفين، بمعنى أنّ يكون هناك إنقسام أكاديمي – سياسي، ويكون ذلك عندما يشكّل الأكاديمي مصدر قلق للسياسي بدلاً من أن يكون عاملاً مساعداً لحل المشاكل السياسية التي يواجهها السياسيون، بمعنى آخر أن يكون هناك جدل قائم بين عالم النظرية المتمثل بالأكاديميين، وعالم السياسة المتمثل بصناع القرار، في مجتمع معرفي، بحيث يخلق مناقشات بين النخبتين الأكاديمية والسياسية.

من هنا تأتي أهمية خلق علاقة بين الأكاديميين والسياسيين يكون أساسها التعاون والثقة وتأخذ شكل المكمل، بحيث يتم إنتاج المعرفة أو إعادة إنتاج المعرفة بما يخدم السياسيين، وبالتالي مصلحة الوطن.

وعليه، يجب أن يقوم الأكاديميون بمتابعة ومعرفة مدى تأثير أبحاثهم على السياسيين وصناع القرار، وإن كان ذلك التأثير إيجابياً أم سلبياً، واضحاً أم غير واضح، فورياً أم على تدريجياً.

وفي هذا السياق، أطالب أن يكون هناك هيئة متخصّصة في تقييم تأثير البحوث العلمية الوطنية بأساليب وطرق مبتكرة، وأن يكون هناك متابعة من قبل الحكومة / الحكومات التي تقوم بتمويل الجامعات والبحث العلمي، لمعرفة إن كانت تلك الميزانيات التي توضع في خدمة البحث العلمي مبرّرة وتقوم بالتأثير، أم أنها فقط حبر على ورق وغير فعّاله، بمعنى هل تحقّق الجامعات دورها المجتمعي من خلال البحث العلمي، وفي حال لم يكن هناك تأثير، إلى أيّ درجة يمكن القبول بذلك، وكيف يمكن تحفيز عملية التأثير من قبل كل من الأكاديميين والسياسيين. وهذا يتطلب قبل كل شيء أن يكون هناك تبادل للمعرفة بين السياسيين والأكاديميين، ومن ثم أن يكون هناك اعتراف من قبل السياسيين، بأنّ هناك تاثير للبحث العلمي على سياساتهم، سواء كان سلبياً أم إيجابياً.

ومن خلال التقييم، يتم فرز الأكاديميين الخبراء في البحث العلمي، وأولئك الذين يحققّون الهدف بالإفادة وتقديم الحقائق والتوصيات للسياسي بحيث تشكل إضافة نوعية، وكذلك فرز السياسيين من حيث من يؤمن بتبادل المعرفة المؤدية بالنهاية إلى أن تنعكس على السياسات للمصلحة العامة والتي تؤدي إلى أن تكون المنظومة محدّثة ومتطورة، ومن يتمسك بفكره دون القابلية للتطور والأخذ بالنتائج والتوصيات العلمية.

كما أنّ عملية التقييم تبيّن للسياسيين أيّ من القضايا السياسية الهامة تستحق اهتمامهم، وكيفية ترتيب الأولويات فيما يتعلق بالقضايا سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية، وذلك بناء على ما جاء في نتائج وتوصيات البحث العلمي، ما يجعل إستثمار الوقت والجهد في الاتجاه الصحيح.