الأربعاء: 15/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الانتخابات.. وأشياء أخرى

نشر بتاريخ: 07/11/2022 ( آخر تحديث: 07/11/2022 الساعة: 16:07 )

الكاتب: مصطفى بشارات

غالبا ما أُلحِقُ كثيرا من عناوين مقالاتي بعبارة "وأشياء أخرى" إدراكاً مني لـ "سيولة" الأشياء والأفكار وانفتاحها على بعضها البعض، ولربما يكون لي ذات يوم وقفة على هذه الفكرة. ليس!

استغرقني كثيرٌ من الوقت قبل الشروع فعليا في كتابة هذا المقال، وحين باشرت في الكتابة بدأت أتلمس بعض الراحة. بالتأكيد ثمة فوائد جمة للكتابة، لكنها، بالنسبة لي شخصيا، تشكل مصدرا "محضا" للراحة النفسية قبل أي شيء آخر من نوع "الفن للفن" أو "الفن للمجتمع"، أو حتى "الفن لاستعراض العضلات الفكرية". ليس "مرة ثانية"!

نتائج (الانتخابات الاسرائيلية-نوفمبر 2022) كانت موضوع الساعة في التدوينات المنشورة على الفيسبوك.

الروائي والصحفي أكرم مسلم كتب معلقا (انتعاش جماعة " إذا ما خربت ما بتعمر"!).

التعليق المذكور ينطق بلسان حال الشارع الفلسطيني، والوقائع تقول إن العبارات التي يكثر الناس من تردادها تعبر بدقة عن واقع الحال؛ لأنها تصدر عن إحساسهم الصادق بطبيعة الأشياء.

كثيرا ما كنت أردد، تحديدا في مواقف بعينها " إذا ما خربت ما بتعمر"، ويمكن لي أن أسأل، في هذه الأوقات تحديدا: ومتى كانت "عمرانة" حتى "تخرب"؟!

على أية حال تاريخ الشعوب، ومنها الشعب الفلسطيني، يزخر بمثل هذه المقاربات التي تتجه، تحديدا في بعض المحطات، إلى أكثر الحلول تطرفا، خذوا على سبيل المثال عبارة "آخر العلاج الكي". ليس "مرة ثالثة"!

الشاعر خالد جمعة اعتبر أن من يشغل نفسه بأمر الانتخابات الاسرائيلية يمارس نوعا من الهبل، حتى أنه دعا المنشغلين بأمر هذه الانتخابات إلى الكف عن ذلك، وعلل عدم اهتمامه بهذا الموضوع بالقول " إسرائيل لديها منهج، من يحاول الخروج عنه سيتم اغتياله حتى لو كان بحجم اسحق رابين. بكفي هبل!"

دعوة صريحة من جمعة للإقلاع عن الهبل، لكن يمكنني أن أتسأل "باستهجان": وماذا سيفعل "الهبايل" عندما يكفون عن الهبل؟!

الصحفي والكاتب عبد الباسط خلف كتب من ناحيته " ترقب نتائج انتخابات المحتل تعني عمليا انتظار الضحية للون قميص جلادها!".

قد يكون الأمر كذلك؛ لأن الاكتفاء بالانتظار طويلا دون القيام بأي تحرك يولد نوعا من الكسل، وإذا استمر ذلك، وهذا هو الأخطر، كما هو واقع الأمر في حالتنا الفلسطينية، يشي بحالة من العجز، أو ربما هو العجز بعينه!

بالمناسبة: علاقة الضحية بالجلاد المشار إليها تفتح من جديد قصة إعجاب العبد بسيده، وهذه قصة أخرى يزخر تاريخ البشرية القديم والحديث بنماذج كثيرة منها، بما في ذلك الاعجاب الذي قد يصل إلى مستوى مَرَضِي كما نشهد في نظرة شعوب ما تسمى "دول العالم الثالث" إلى "الغرب". ليس "مرة رابعة"!

المدون المهتم بالشأن الاسرائيلي محمد أبو علان ذهب إلى تحليل بعض أسباب وأبعاد نتائج الانتخابات الاسرائيلية التي جرت في الأول من تشرين الثاني 2022 وأفضت إلى فوز قوى أقصى اليمين الاسرائيلي بزعامة بنيامين نتياهو. وحصل معسكر هذا الأخير على 64 مقعدا من مجموع مقاعد الكنيست البالغ عددها 120، وتوزعت المقاعد الـ (64) على النحو التالي: 32 مقعدا لحزب الليكود برئاسة نتنياهو، 18 مقعدا لحزبي "يهودوت هتوراه" لليهود الأشكناز الغربين و"شاس" لليهود الشرقيين، و 14 مقعدا لتحالف "الصهيونية الدينية" الذي يقوده المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.

أبو علان أعرب عن اعتقاده بأن " تولي ايتمار بن غفير لوزارة الأمن الداخلي في الحكومة الإسرائيلية القادمة سيعزز فرصة انتفاضة فلسطينية في الداخل المحتل نتيجة سياسته المعلنة والصريحة ضد العرب".

الصحفي والكاتب محمد عبد ربه قارب الاتجاه المتطرف الذي تذهب فيه إسرائيل على ضوء نتائج انتخاباتها بالقول إن هذا الاتجاه لا يقتصر على الجانب السياسي بل يمتد ليشمل الجانب العسكري، وأوضح أنه " كما في المؤسسة السياسية، فإن الفاشية والتطرف في المؤسسة العسكرية في صعود بعد هيمنة الكهانية عليها".

"مربط الفرس" في التعليقين الأخيرين يكمن في "الكهانية" على حد رأي عبد ربه، وكأنه يقول، أو هو يقول بالفعل، لم يوفق مؤسس وزعيم (حركة كاخ) أحد أبرز الحركات اليهودية تطرفا في التاريخ الحديث الحاخام (مائير ديفد كاهانا) في الوصول للكنيست إلا مرة واحدة عام 1984 واغتيل سنة 1990 على خلفية مواقفه العنصرية والمتطرفة ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين وكل ما هو غير يهودي في "فلسطين التاريخية" إلا أن تعاليمه التي اصطلح عليها بـ "الكهانية" باتت سيدة الموقف في إسرائيل اليوم، في الكنيست والمجتمع الاسرائيلي والمؤسستين السياسية والعسكرية، وليس أدل على ذلك من حصول (الصهيونية الدينية) التحالف الذي يضم أبرز مريديه وهو المتطرف ايتمار بن غفير ورئيس حزب (القوة اليهودية/عوتسما يهودت) على 14 مقعدا، أي أصبح القوة السياسية الثالثة في إسرائيل!

على ذكر كاخ – الحركة المتطرفة التي أسسها كاهانا ومن أتباعه بن غفير، فإنها تعني بالعربية (هكذا)، وخلال تتبعي لمعنى الكلمة في قواميس العربية، يمكنني القول إنها تشير إلى عدم اكتراث مُطلِقُها بأية نتائج أو أسباب، وإذا أردتم السؤال يمكنني القول لكم، وببساطة: هكذا!!!. ليس "مرة خامسة"!

بالعودة إلى كاخ أو هكذا، فإن واقع المصوتين للأحزاب اليهودية المتطرفة في انتخابات الكنيست الأخيرة، كان (هكذا) في (هار نوف) الحي الأرثوذكسي المتشدد أو الحي الحريدي في شمال غرب القدس: أحد سكان هار نوف، وعرف عن نفسه لـ (تايمز أوف إسرائيل) باسم زيك فقط، قال: لقد تم سحب معظم المصوتين في الحي إلى حزب (الصهيونية الدينية)!

إفرايم لانياردو، من سكان الحي ذاته، قال إنه صوت في السابق لكل من شاس ويهدوت هتوراه لكنه صوت يوم الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 للصهيونية الدينية لأن " الناس يرون أن هناك قوة. ما يقولون إنهم سيفعلونه، يفعلونه. بدون ماذا لو أو لكن … لقد تم إثبات ذلك من خلال الإجراءات".

إذن سؤال الصحفي والكاتب محمد عبد ربه والذي يقول فيه بالنص " مع صعود الفاشية شو أخبار لجنة التواصل مع مجتمع دولة العدو؟" منطقي، لكن برأيي، وحتى يكون منطقيا أكثر يجب أن يوجه للكل الفلسطيني، لا أن يقتصر فقط على لجنة التواصل؛ فبعد أن ذهبت "إسرائيل"، وفق نتائج انتخاباتها، باتجاه آخر ما لديها من خيارات نحو شطب الحقوق الفلسطينية، يكون السؤال الصحيح، (هكذا).. ببساطة، ودون أية مواربة: ماذا نحن فاعلون؟؟!