الكاتب: رائف عاصلة
في هذا الخطاب الذي ألقاه النائب الدكتور احمد الطيبي أمام الهيئة العامة للكنيست في ذكرى اغتيال اسحاق رابين بحضور الرئيس الإسرائيلي ورئيس الحكومة ورئيسة المحكمة العليا والذي أشرف الدكتور النائب أحمد الطيبي شخصيا على بنائه النصي السياسي باللغة العبرية والتي يملك فيها وفي اللغة الإنجليزية قدرة عالية جدا في الإنشاء والتعبير ...أراد أن يشتبك فيه مع الصورة النمطية للعربي العفوي الساذج في اللغة والتعبير في ذهنية الكثير من السياسيين والكتاب عندهم وأن يحقق من خلاله ضرورة التفوق العربي الفلسطيني في ذلك على خطابين اثنين في تلك المناسبة لرئيس الحكومة ورئيس المعارضة وقد تحقق له ذلك بشكل أثار إعجاب خصومه وأصدقائه على حد سواء من طرفي مقاعد الكنيست يمينها ويسارها وقد كنت شاهدا على لغة الجسد عند البعض منهم خلال إلقائه لخطابه في بث حي ومباشر وعلى ما أحدثه الخطاب من صدى إعلامي سياسي واسع.
إن الرسالة السياسية التي حملها هذا الخطاب التاريخي كانت رسالة شعب كامل خارج أحزابه داخل انتمائه الوطني الفلسطيني الواحد وقد ظهر ذلك في المقابلة الاصطلاحية العالية في الوصف على طرفي اللغة والفارق الوطني بين فهمهم وفهمنا للإحداث التاريخية التى وقعت بين الحرب والسلام والنكبة والتحرير وبين الفارق اللغوي العاطفي في شكل حضورها اليومي في وعينا الوطني الفلسطيني ومسميات وعيهم الإسرائيلي ووصفه لتاريخ الفلسطيني العادي ...والسياسي المفاوض في عملية سلام من خلال موقعه الخاص آنذاك كمستشار سياسي للرئيس الفلسطيني الراحل القائد الرمز أبو عمار والذي تم التخلص منه حين رفض الرضوخ لشروط سلامهم التي عرضها الثنائي إيهود باراك وبيل كلينتون عليه في كامب ديفيد في مهمة مشتركة كان الهدف منها اتهام الفلسطيني برفضه للسلام وخلاص شعبه من الاحتلال وكرم الإسرائيلي التوراتي المقابل وسخائه في التخلي المؤلم عن أجزاء هامة من أرض الميعاد.
ليس صدفة أن يقف الدكتور النائب أحمد الطيبي ليقول في خطابه ...أن العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر متهم حتى حين يمارس اليهودي حقه في الانتخاب واختيار أحزابه الفاشية الكاهانية التي تعتز بعدائها القومي العنصري للعرب وإن البعض من أبناء جلدتنا ممن يلتقي معهم في ذلك في رغبة مرضية مستفزة من حب جلد الذات وتبرئة الخصم حتى لا يغضبه أو يعكر صفو رضاه عنه في اختزال قضايا شعبنا بغبن مالي بسيط وقع ويقع عليه منذ نكبة شعبنا وقيام دولتهم وأن هذا الغبن المالي يمكن تجاوزه ومحو الكثير من الملفات القديمة لذاكرة شعبنا الجمعية وإعادة هندسة وعيه وإحداث حالة من الاسترخاء القومي فيه بمجرد زيادة وجبات المال المقترحة عليه.
لذلك عرج الدكتور أحمد في خطابه التاريخي هذا على ما يقترحه قانون القومية علينا كشعب أصلاني في هذه البلاد من ديمقراطية عرقية واصفا إياها ب (اليودوقراطيا ) بدل الديمو قراطيا ) وأن أول خطوات إزالة الأسلاك الشائكة التي تقف بين سلة المصطلحات الوصفية التي يحملها حسنا ووعينا الوطني وأقصى استعدادهم للمساواة القومية ليست سوى قبول الفلسطيني بما يعرض عليه من اقتراحات مالية دسمة مع رضاه في بقائه سجين دونيته القومية وأن عليه إحداث تغيير في حسه الجمعي داخلها بأنها الحرية الكاملة بل بالتخلي عن الفوقية العرقية للسيد الحاكم.
لقد صدق الدكتور أحمد طيبي حين صرح لأحد الصحفيين أنه لا يبحث في عمله البرلماني السياسي عن قمم جديدة ...بعد القمة التي بلغها بمصاحبة الرئيس الفلسطيني الرمز ياسر عرفات التي وفق عقيدته الفكرية السياسية لا تضاهيها أي قمة أخرى وإن كل همه الحاضر كقائد سياسي متمرس صاحب تجربة واسعة هو مواصلة مهمته الشخصية المقدسة في خدمة شعبه والدفاع عن حقه في الحرية والحياة الكريمة فوق أرضه بكل صدق وأمانة.