الكاتب: الشيخ كامل ريان
هل تعرفون خلفية هذا المثل العربي القديم والذي هو عباره عن مدرسه في علم النفس السلوكي والاجتماعي في وقتنا الحاضر، والذي يفكك سلوكيات بعض القيادات السياسيه او الاعلامية او الاجتماعيه العربيه في مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل، والتي تعتمد احيانا على اضطرابات سلوكيه قد تراكمت في ذهنية صاحبها ، او مرتبطه ببيئة اجتماعية صعبه للغايه قد مر بها ذلك القيادي سواءا في طفولته او بعد ذلك ، او غياب الضوابط المنطقيه في حاضنته السياسيه فنراها دائمةَ التذبذب في مواقفها ، بعيدة عن معيار الوسطية في النهج ،والتصاقها بمواضع مشبوهة ما بين افراط بخطابات "خشبية " لا تسمن ولا تغني من جوع او تفريط في الحد الادنى للسلوك السويّ المسؤول لقيادات ترى وتشاهد المشاهد المرعبه والمخيفة في المجتمع العربي ولا تملك من الاستعداد لان تخطو ولو خطوه عمليه واحده من اجل وقف او منع او تجفيف منابع مسببات هذه المشاهد.
ويقصد من هذا المثل أن هناك بعض الأشخاص الذين يقذفون الناس بما ليس فيهم، ويلصقون بهم أشياء هي فيهم انفسهم ؛ كأن يتهم السارق مجتمعه بالسرقة ، او يتهم الفاشل غيره بالفشل ،أو يتهم الخاسر شركاءه أنهم هم السبب في الخسارة ، أو يتهم الغبي الأذكياء بالغباء أو يشير المجرم إلى غيره ليلصق بهم تهمته، او ان يتهم اخوانه او ابناء شعبه بالخيانة تاره وبالكفر تارة اخرى وهو نفسه يحارب الله ويحيد عن اوامره ونواهيه ،فحينذاك يقال هذا المثل "عيرتني/رمتني بدائها وانسلت".
هذا المثل ينطبق على كل من يعاني من داء او ظاهره مزمنه، او انسان قد أُبتلي قلبه بالحقد او الحسد او الغيرة او الغلو ولا يريد ان يعترف بوجود هذا الداء ومن ثم يأخذ بإسقاطه على الاخرين ويتهم الاخرين بأعراض هذا الوباء لكي يبعد الشبهة عن نفسه انه مصاب بذلك الوباء ، وذلك بسبب شعور بالعجز امام هذا البلاء او رغبة في ان يعم هذا البلاء ليصيب الجميع حتى لو انه حرق الاخضر واليابس من مكونات ومقومات وحصون مجتمعه الوطنيه او الدينيه او الانسانية وحتى الوجودية ، لان هذا السلوك نابع من منطلق واحد ووحيد وهو "ان الغاية تبرر الوسيله".
نصيحه لوجه الله اوجهها لبعض التيارات السياسيه والوطنيه والدينيه الذين "تجلببوا " بمصطلحات "الثوابت" بعد ان وقعوا بقضايا الفساد المالي المقزز وخصوصا الذين اعترفوا وأدينوا وحكموا وقضوا فترات متفاوته في السجون او "السجن مع وقف التنفيذ " والتي احيلت بعقاب من خلال تقديم خدمات للجمهور ، ولكي يغطوا على قضايا فسادهم المالي ،اخترعوا انهم أدينوا لاسباب سياسيه او وطنيه او ……ومن ثم الحقوا غيرهم واتهموهم بالتخلي عن المسار الصحيح او التخلي عن "الثوابت "التي ابتدعوها زورا وبهتانا من غير فحص ولا تقدير ولا تحقق ولا مخافة من الله .
والحقيقه انهم أدينوا بقضايا فساد مالي او تبيض اموال او تهريب اموال وبروتوكولات قضاياهم واعترافاتهم تشهد على ذلك ، ومن ثم خرجوا على الاكتاف بثوب الابطال الملاحقين سياسيا او وطنيا او دينيا ، والجميع يعلم الحقيقه ، ولكن الجمع تعاطف وساند لان الطرف الذي يقاضي هو اكثر فسادا وظلما وفجورا وملاحقة لابناء شعبنا وقضايا مجتمعنا.
كفى استخفافا بعقول الناس ، وكفى إسقاطاً لقضاياكم الماليه الفاسده وتحويلها الى ثوابت وطنيه او دينيه او سياسيه والجميع يعلم ان الجسم السياسي والديني الوحيد الذي اقر في منظومته ونهجه عدم الاعتماد على "الاموال النجسه" كما اسماها فضيلة الشيخ عبدالله نمر درويش ، هي الحركه الاسلاميه الأم ، وهي التي حاربت من اجل هذا النهج وحوربت بسبب التمسك به والاصرار على ان المال والجري وراء المال واستجلاب المال من خارج الحدود هو مفسده بل من اكبر الموبقات التي شجعت ثقافة الانشقاق وكسرت معايير الاخوه وشتت شمل الرفقاء وفتحت ابواب الفتنة على مصراعيها.
وهنا نحن لا نعمم ونقول ان جميع ابناء وافراد هذه التيارات هم فاسدون لا والف لا ، لأني اعرف الكثير منهم من الشرفاء الصادقين والمخلصين والوطنيين الحقيقيين والذين لهم بصمات واضحه في العمل السياسي او الديني او الوطني.
وترجع حكاية هذا المثل إلى أن رجلًا من العرب اسمه سعد بن زيد بن مناة ، تزوج امرأة شديدة الجمال تدعى رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن كلب بن وبرة على ضرائر لها، وولدت له ذكر أسماه مالك بن سعد ، وكانت ضرائرها يغارون منها فيساببنها "يا عفلاء" ، والعفل هو شيء بجسد المرأة التي حملت ووضعت . فكانت رهم تبكي وتشكي إلى أمها أمر مسبتها ، فنصحتها أمها أن تبادرهم بنفس القول إذا ساببنها ، فترقبت رهم حتى اشتبكت معها إحداهما فقالت لها : "يا عفلاء" ، فضحكت ضرتها وقالت "رمتني بدائها وانسلت" ، أى عيرتني بما فيها وألقته بي.
من هذا المنطلق ، وبعد ان انتهت الحمله الانتخابيه وظهرت النتائج كما ارادها شعبنا واهلنا وناسنا ، واحتراما لخيارات شعبنا لا بد من اجراء الحساب الذاتي لكل فرد اساء الى غيره ، والاهم هو ان تعيد جميع الحركات والاحزاب السياسيه والدينيه والفكريه حساباتها من جديد بروح واتجاه مواجهة الواقع الجديد الذي هو واقع عنصري فاشي لا ولن يستثني فصيلا واحدا من مركبات شعبنا ، وتوجيه بوصلته نحو الاقرار بالتعددية في مجتمعنا العربي ، وان نقبل بعضنا البعض ، وان نحسن ادب الحوار فيما بيننا ، وان نحسن الاقرار بطبيعة الاختلافات بيننا من غير تكفير والا تنفير ولا تخوين ، لاننا جميعا في قارب واحد نبتغي النجاة والوصول الى بر الأمان متعاضدين ومتحابين ومتباعدين كل البعد عن اي مصدر من مصادر الفرقة والتجزئة او التشرذم.
* رئيس مركز امان لمجتمع آمن