الأربعاء: 15/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الديمقراطية وطُموحات الشباب الفلسطيني

نشر بتاريخ: 14/11/2022 ( آخر تحديث: 14/11/2022 الساعة: 00:46 )

الكاتب:

صخر سالم المحاريق.

ترى الأمم المُتحدة في ميثاقها للحقوق المدنيةِ والسياسيةِ بأن "الديمقراطية- Democracy" إحدى القيم الإنسانية التي يجب أن تتشاركها شعوب العالم كافة، وتُعرفها على أنها: "إرادة الشعب وهي أساس سُلطة الحكومة وشرعيتها"، كما أنها الأساس لبقية الحُريات ومنها (حُرية التعبير، والمُشاركة السياسة، وتكوين الجماعات والأحزاب، وحق التجمع، وحق تقرير المصير).

حيثُ تُعتبر هذه الكلمة اليونانية الأصل ذات الشطرين "الشعب - "demosو "السلطة – kratos"؛ تعبيراً صريحاً على تلك العلاقة والتي تجمع بين إرادة "الشعب والناس" والرغبة في التغيير، وتَشَّكلْ منظومات الحُكم والحُكومات، وأرى فيها شخصياً سبيلاً للتنمية الشاملة، والتي هي قرار جماعي ومقصود للتغيير والتأثير في كافة مجالات الحياة (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية ..) وغيرها.

لفتني حّدَث وقعَ في الخامسِ مِنْ شهرِ نوفمبر الجاري – 2022 في فندق الهلال الأحمر في رام الله، نفَذَهُ المعهد الوطني الديمقراطي– NDI لمُحاكاة حُدوثِ انتخابات برلمانية تشريعية فلسطينية كاملة الأركان، سبقها في التوقيت تنفيذ المعهد ذاته لبرنامجٍ تدريبيٍ احترافيٍ مُكثف، استمر قُرابة الستة أشهُر قبيل الحدث المذكور؛ وذلك ضمن فِكرةٍ أطلقها المعهد باسم "أكاديمية القيادة"؛ والتي هي إحدى أفكار المعهد الوطني الديمقراطي لتعزيز مبادئ الديمقراطية، والمُشاركة السياسية في فلسطين، حيثُ يسعى المعهد من خلالها إلى تنمية وتطوير مهارات الشباب الفلسطيني القيادية، وذلك لمزيد من الوعي، والمُشاركة السياسة الفاعلة ذات الأثر، ويُعد المعهد الوطني من المؤسسات الدولية الفاعلة في دولة فلسطين منذ العام 1994 إلى يومنا هذا في مجال إرساء مبادئ الديمقراطية ومُمارستها.

حقيقةً كُنت شخصياً من المدعوين ككاتب في مجال التنمية المُستدامة إلى هذا الحدث الهام والريادي من وجهة نظري، حيثُ يُعدُ خطوةً للاستثمار في طاقات الشبابِ الفلسطيني التواقِ إلى المشاركة السياسية وإثبات الذات، فالمجتمع الفلسطيني مُجتمع فَتِيٌ في سواده الأعظم، وعليه يجب أن يكون للشبابِ دورهم الفاعل والمُؤثر في العمليةِ التنموية والمشاركة السياسية لإحداثها.

إن الديمقراطية حق طبيعي يجب أن تُمارسه الشعوب، والتي يكادُ يجهلُ مُمارستها جيلٌ بأكمله من الشباب الفلسطيني اليوم، وذلك مُنذ آخر انتخابات تشريعية فلسطينية حدثت في العام 2006، بحيث لا يعرف الكثير منهم شيئاً عن أعضاء المجلس التشريعي سابق الذكر، أو حتى أهمية وجودهم أو غيابهم في إرساء الأنظمة، والقوانين، والتشريعات والتي تُسهم في الدفاع عن حقوقهم وتلبيةِ احتياجاتهم التنموية المُختلفة.

لا شك بأن عملية التنمية بحاجةٍ إلى قرار سياسي يُساعد على بناء مُؤسسات وطنية فلسطينية تتبنى الديمقراطية نهجاً وسلوكاً في قرارها واختيارها، وذلك في كافة أشكال مُمارستها بالانتخاب الحُر والنزيه سواء على صعيد مجالس الطلبة أو النقابات أو الهيئات المحلية أو حتى التشريعي، ويتم ذلك كله بإدراك أهمية السُلطات الثلاث (التشريعية، والقضائية، والتنفيذية)، وأهمية تفعيلها وفصلها لبُنية وبناء أي دولة ومؤسستها كسبيل للتنمية والتطور، على الرُغم من وجود العائق الأكبر المُتمثلِ بالاحتلال وفصله العُنصري لكافة مُقدرات شعبنا ومُقومات حياته، ولا أشكُ للحظة واحدةٍ بأن الحُكومة الفلسطينية تتبنى ذلك وتسعى لهُ جاهدة، فممارسة العملية الديمقراطية بحاجة لوعي وتثقيف وموضوعية سواء كان ذلك في إطارٍ حزبي أو مُستقل، جماعي أو فردي، بعيداً عن التعصبِ، والقبليةِ، والمصلحة في جوٍ من التعاون لبناء الوطن وخدمة المُواطن.

إنهُ لمشهد وطني فسيفسائي راقٍ وحضاري شارك به جمعٌ غفير من المُستوى الرسمي والشعبي والأكاديمي يتقدمُهم سيل مُنهمر من الشباب الفلسطيني الواعي والمُثقف والمُفعم بالطاقة والايجابية من طلبة الجامعات الفلسطينية وخريجيها، مارسوا فيه مُحاكاةٍ لعمليةٍ انتخابيةٍ برلمانيةٍ مُتكاملة بكل شفافيةٍ ونزاهة، بإشرافٍ مباشرٍ من لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، والتي نفخر كفلسطينيين بسجلها النقي والحافل ودورها الوطني البناء لانتخاب قوائم انتخابية أربعة قادها شباب وشابات مُؤهلين تدربوا باحتراف في أكاديمية المعهد الوطني الديمقراطي للقيادة، وقاموا ببناء برامجهم الانتخابية بتشخيص منهجي وموضوعي لحاجات الشعب الفلسطيني في ظل إمكانياته وظروفه الاستثنائية، مروراً بعقد تلك الانتخابات الافتراضية من التسجيل في سجلات الناخبين، إلى المُناظرة الانتخابية للكتل المُعلنة، مُروراً بعملية الاقتراع، فالفرز، فالنتائج في جو ديمقراطي نموذجي يُحتذى به.

رسالتي إلى المُستوى السياسي الفلسطيني والقوى الوطنية كافة بأن "توحدوا وديروا بالكم عبعض"، وقد سبقني في ذلك شخصية وطنية اعتبارية شاركت في الحدث نفسه وهي الأخت المُناضلة "ليلى غنام" مُحافظ مُحافظة رام الله والبيرة في كلمتها في الحدث وفي رسالة لها حوله على حسابها الرسمي على الفيسبوك، فالشباب الفلسطيني هو استثمارنا الحقيقي وهو شباب مُفعم بالقدرات، والمعارف، والمهارات، وهو شبابٌ تواقٌ للإنجاز، والمُبادرة، والإبداع، والمُشاركة في كافة المُستويات، ولتَّكن رسالتنا رسالة الشهيد الخالد فينا ما حيينا "ياسر عرفات" في ذكرى وفاته التي تمُر بنا ونمُر بها في كُل عام حينما قال ذات يوم: "إن الثورة ليست بندقية ثائر فحسب، بل هي معولُ فلاح، ومشرطُ طبيب، وقلمُ كاتب، وريشةُ شاعر" فالبناء والتنمية بحاجة ماسة لهم جميعاً والشباب عمادهُم.