الكاتب:
درجت الصحافة الإسرائيلية وكذلك السياسيون وقادة الرأي في إسرائيل على ترويج ونشر أكاذيب تحولت بفعل الزمن وطول الإستعمال إلى ما يشبه الحقائق، وهي أكاذيب صيغت بطريقة ذكية بحيث تمتلك القدرة على الطمس والتغييب، كما أنها تستطيع تجاوز الواقع من أجل واقع آخر لا يراه إلا المحتل فقط. هي أكاذيب المستعمر التي يرغب من خلالها أن يقدم رؤية ورواية أخرى لطبيعة الصراع، وللحقيقة، من وجهة نظري على الأقل، أنها أكاذيب تثير الشفقة والرثاء معاً، ذلك أنها أكاذيب ظهرت عيوبها وثقوبها ولكنها ما تزال تستخدم باصرار عجيب. ومن هذه الأكاذيب نورد ما يلي :
أولا: حالة الإنكار وتوزيع الإتهامات: فالمحتل يتهم كل شيء إلا نفسه، هو لا يرى إحتلاله ولا أفعاله، فالمقاومة الفلسطينية هي بسبب التحريض الديني والقومي ومواقع التواصل وبسبب الخلافات الأسرية والفصائلية، وبسبب تدفق الأموال والأوامر من أطراف قريبة وبعيدة. المقاومة الفلسطينية خطاً يحب إصلاحه بوسائل فنية وإستثناء يجب محاصرته بطراق إجرائية. المحتل لا يرى الواقع على الإطلاق ويعتقد أنه حامل النور ومشعل التقدم. ولهذا، كانت سياسات المحتل وإجراءاته قصيرة النظر وإنانية بشكل مفرط وحزبية في كثير من الأحيان وقائمة على تقدير ردئ، ولولا أخطاؤنا الكثيرة لما نجح المحتل في كثير من الأمور.
ثانياً: سياسة العصا والجزرة : وهي كذبة كبرى يعتمدها المحتل في تعامله معاً، وهذه السياسة استعلائية وعنصرية وفيها فهم بهائمي لطبيعة الصراع، وكأن الفلسطيني يأكل الخبز ولكنه لا يحلم ولا يستطيع أن يحلم، وعلى الرغم من فشل هذه السياسة منذ 74 سنة، إلا أن المحتل ما يزال يستخدمها بطريقة أخرى إذ يسميها سياسة القوة والمزيد من القوة.
ثالثاً: سياسة المزيد من القوة أيضاً: وهذه كذبة أخرى استمراراً وبناء على النقطة السابقة، فالمحتل يعتقد أن المزيد من القوة سيؤدي الى الواقعية والمزيد من الواقعية، ورغم أن هذه السياسة فشلت تماماً، فقد أدت فيما أدت إليه إلى ظهور ـأجيال أكثر تشدداً، إلا أن المحتل لا يملك إلا استخدام القوة متناسياً أن للقوة حدود وقدرات لا يمكن لها أن تتخطاها.
رابعاً: سياسة التركيز على الثانوي دون الجوهري: وهذه كذبة أخرى ما تزال مستخدمة لدى دوائر القرار الإسرائيلي وتتمثل في ترحيل الحلول، والتلكؤ في التطبيق، واستبدال الحقوق السياسية بتسهيلات اقتصادية ، وتخفيف العقوبات باعتبارها تنازلات، والتشدد في الشروط، والتمييز في التعامل، وفتح طرق التفافية ترحل الصراع معها ولا تحلّه أبداً. أن هذه الكذبة الكبرى، وإن كانت تستهلك الوقت والجهد – والدم أيضاً – إلا أن إسرائيل تستخدمها لادارة عمليات الإحتلال في تقدير منها انها تغير الوقائع على الأرض وتغير الأولويات والإهتمامات وبالتالي تُرسخ إحتلالها وتطيل عمره، وللأسف فإن هذه السياسة نجحت إلى حد ما في التملص من تنفيذ القرارات الدولية والمبادرات المتعلقة بالتسوية ، ونجحت كذلك في الوصول أخيراً الى تطبيع مع أجزاء كبيرة من العالم العربي.
خامساً: كذبة عدم وجود ممثل للفلسطينيين: وهي كذبة استخدمت حتى قبل الإنقسام الفلسطيني، وهناك كذبة أخرى مرتبطة بهذه الكذبة وهي أن الشعب الفلسطيني يستحق قيادة أفضل، أن اتهام الفلسطينيين بعدم وجود مممثل لهم على مدى كل هذه السنين ما هي إلا الذريعة الإسرائيلية لعدم دخول تفاوض حقيقي أو عملية تسوية ذات فعالية، إسرائيل – التي تكذب دائماً – تطلب منا أن نكون موحدين لنفاوضها، ولو توحدنا لوجدت ألف كذبة أخرى للتهرب، ومن الأكاذيب الكبرى التي اتخذت شكل الشرط هي أن على الفلسطينيين أن يعترفوا بأن إسرائيل دولة يهودية قبل الدخول في أية مفاوضات . وهي كذبة أو شرط يثير الضحك تماماً، فلا علاقة للمحتل بالصورة التي اتخيله فيها أو عما أفكر فيه عنه، عدم وجود الممثل الشرعي للفلسطينيين ككذبة إسرائيلية تجعلنا نفهم لماذا تقوم إسرائيل بتغذية الإنقسام الفلسطيني ورعايته وإطالة عمره.
سادساً: كذبة الإحتلال كحق تاريخي وديني: وفي هذا نقول إن إسرائيل اليوم، بكل مكوناتها اليهودية تقريباً، وصلت إلى الاقتناع الكامل والأكيد أن احتلالها لفلسطين – بما في ذلك الضفة والقدس- هو جزء من تسويتها مع التاريخ والتنبؤات، وأن هذا الاجماع يجنبها الانفجار والاقتتال الداخلي وخطر الانشقاق، إسرائيل – بكل اطيافها وطوائفها اليهودية- تعتقد أن الاحتلال هو مسلمة دينية وتاريخية نهائية ولا تراجع عنها، ولهذا ، فهي تتعامل مع كل الحلول والقرارات والمبادرات، وكذلك مع الثورات والانتفاضات باعتبارها الثمن الذي يجب أن تواجهه جراء هذا الاحتلال الذي تسميه العودة إلى أرض الآباء والأجداد، وإسرائيل بهذا تغادر صورتها الأولى التي حاولت أن تقدمها للعالم، باعتبارها دولة الحداثة والليبرالية وحقوق الإنسان، إسرائيل الآن تذهب بعيداً في بناء صورة أخرى لإسرائيل توارتية وحاخامية قد تصطدم مع أولئك الذين يدعمونها بالمال والسلاح. الكذبة الكبرى التي تقول إن الإحتلال حق ديني وتاريخي ستصطدم قريباً –ربما- بالواقع المر الذي لم تتوقعه إسرائيل.
سابعاً: الكذبة التميز والفرادة: وهي كذبة يتم فيها اعتبار إسرائيل وطوائفها اليهودية باعتبارها الكيان الفريد والمميز على كل الأصعدة في جودة الحياة ودخل الفرد والإضافات العلمية والأمنية، والقدرة على الرد على كل التحيات، وفي التاريخ العريق والأرث الفني والأدبي، وأنها الأقدر والأقوى والتي تدير الدوائر وترسم القرارات العالمية وتخطط لمستقبل العالم من خلال مؤسسات الكبرى –هذا وهم كبير جداً جداً. من الخطورة أن تستمر فيه إسرائيل وتتصرف على أساسه، فالعالم أكبر من إسرائيل وأقوى ، وفي حالة تغير دولي تدريجي أو حاسم، قد تجد إسرائيل نفسها عارية وفقيرة لا أحد يريد أن يستر عريها.
وهناك أكاذيب أخرى سنعود إليها إن شاء الله.