الكاتب: صخر المحاريق
لا يُعد الأمر بسيطاً للتفريق الدقيق بين كلتا الدرجتين؛ وخاصة ذلك الاعتراف الدولي بالمهنية منها، وهُنا أقصد اعتماد الدرجات العلمية المهنية الخاصة بما يُسمى بالتعليم العالي المهنّي كالبكالوريوس المهنّي أو الماجستير والدكتوراه المهنية حتى في أكثر دُول العالم تقدماً.
فرغمَ بساطة الأمر كما يعتقدُ البعض وخاصة في بُلداننا العربية والتي اعتادت على نفسها استيراد واستنساخ النماذج التعليمية المُختلفة دون تقييم حقيقي لجدوى استخدامها عربياً ومُراعاة ذلك في خصوصية المُجتمعات العربية وتكوينها الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، فمثلاً احتاج الأمر في دولة مُتقدمة مثل سويسرا إلى جلسات برلمانية مُطولة لمناقشة مشروع أمانة الدَولة السويسرية للتعليم والبحث والابتكار والمعروفة بالاختصار (SERI) لتَدرس إمكانية إعطاء تسميات جديدة للمؤهلات المِهَنية العُليا في سويسرا، وذلك من أجل الاعتراف الدولي بها على غرار الاعتراف المحلي بتلك المؤهلات المهنية العُليا.
وقد يكون النموذج الألماني للتعليم والتدريب المهني المزدوج والمعروف باسم (الأوسبيلدونغ- Ausbildung)، والذي يُعتبر النموذج العالمي الأشهر للقياس والاقتداء في كثير من دول العالم ومنها الدول العربية، قد وجدَّ مخرجاً للأمر، فقد أُعتُمِدَ في ألمانيا مشروع قانون جديد للتدريب المهني في بداية عام 2020، تم بموجبه إدخال درجتي "البكالوريوس المهني" و"الماجستير المهني" في مؤسسات التعليم المهني العالي، رُغم وُجود ذلك مُنذ زمن في دُول أُخرى مثل المملكة المُتحدة – بريطانيا، والولايات المُتحدة الأمريكية.
إذا ما أردنا تبسيط الأمر عليك أكثر عزيزي القارئ الكريم، فإن "الدرجة الأكاديمية" تُشيرُ إلى مرحلة التعليم الأكاديمي الجامعي؛ وهو ذلك التعليم النظري الذي يُمَكّنْ الفرد من اكتساب جُملة من (المعارف، والمهارات، والميزات) في حقل واختصاص مُعين، ويتم ذلك في ثلاثة مراحل ومُستويات تعليمية أكاديمية هي على التوالي: مرحلة البكالوريوس ضمن مُستوى المرحلة الجامعية الدُنيا أو الأساسية والمُسماةِ Undergraduate Education، ومرحلة الدراسات العُليا لدرجتي الماجستير والدكتوراه والمُسماةِ Postgraduate Education، حيثُ يتم فيها إعداد الفرد المُتعلم ليكون أكثر تخصصاً وقُدرة على البحث العلمي والإنتاج المعرفي والابتكار في مجال اختصاصه.
وأما "الدرجة المِهنّية" فهي مُسمى يُطلق على الدراسات العُليا في مجالات التعليم المهني والتقني العالي، وهي درجة تشمل مراحل (البكالوريوس المهني، والماجستير المهني، والدكتوراه المهنية)، علماً بأنها درجة أو درجات علمية يشوبها العديد من الإشكاليات حول العالم، بين مؤيدٍ ومعارضٍ لاعتمادها والاعتراف بها؛ والسبب في ذلك ما تُحدثهُ "الدرجة المهنية" من إرباكٍ وازدواجيةٍ في التفريق بينها وبين "الدرجة الأكاديمية" سابقة الذكر، رُغم الإخلاف بينهما ذلك أنَّ "الدرجة المهنية" أكثر ارتباطاً بالجانب التطبيقي والعملي بوظيفةٍ ومهنةٍ ما يسعى الفرد لتطوير جُملة خبراته ومهاراته الفنية فيها ولكن بمنهجية علمية أكثر دقة للخوض في تفاصيلها وعلاج مُشكلاتها.
لقد باتَ من الجلّيِ والواضحِ لدى الجميع اليوم في أن منظومة التعليم المهني والتقني والمعروفة بالاختصار VET) أو TVET)، هي القاعدة الأساسية لتعلمِ المهّن واحترافها، حيثُ تُركز هذه المنظومة على الجانب "العملي والتطبيقي" بنسبة أكبر من "الجانب النظري" المُعتاد في المرحلة الجامعية، وبنسبة قد تصل إلى (60%)؛ جُلها يُفترضُ به أن يتم في بيئات العمل الخاصة بالمهنةِ المطلوبةِ لِمُحاكاتها على أرض الواقع.
فمنظومة التعليم المهني والتقني تلك تنقسم إلى أربعة مسارات تعليمية للتكوين المهني، تتمثلُ في المسار الأول: وهو مرحلةُ التعليم الثانوي المهني والتي تتمُ في إطار المدارس المهنية والصناعية الثانوية، وأما المسار الثاني: فهو مسارُ التعليم المهني قصير الأجل (الدبلوم لسنة أو أقل)؛ والذي يتمُ في شكل دورات تدريبية متخصصة في المعاهد والمراكز المهنية، وأما الثالث فهو مسار الدبلوم المتوسط (لسنتان أو اكثر)؛ والذي يتمُ في إطار الكُليات المهنية والتقنية فيما يُعرف أيضاً بالكليات المُجتمعية، وأما المسارُ الرابع: فيتمثلُ في التعليم المُستمر أو ما يُعرف عالمياً بفلسفة (التعلم مدى الحياة - Lifelong learning)؛ وهو التعليم المُلاصق للتطورات المُستمرة في أي مهنةٍ من بابِ مُواكبتها والاستمراريةِ في العمل بها بكفاءة وفعالية، حيثُ يتم هذا النوع من التعليم المهني في شكلِ دوراتٍ تدريبيةٍ مُتخصصةٍ في إطار بيئات العمل المُختلفة أو خارجها كنوعٍ من تدريبِ وتطويرِ الموارد البشرية في أي مُؤسسة عامة أو خاصة أو أهلية.
إذا ما هو الحل؟ لمأسسةِ كُليات تمنحُ "الدرجة المهنية" كمسارٍ وخيارٍ تعليميٍ في بلادنا العربية؟ الحلُ من وجهةِ نظري الشخصية يتمثلُ في مسارٍ ومُكونٍ تعليميٍ آخر يَجمعُ ما بين كلتا الدرجتين سابقتي الذكر (الأكاديمية والمهنية)، وهو مسار "التعليم التطبيقي"، والذي يمزجُ بين نظرية التعليم الأكاديمي الجامعي وتطبيقاتها في التعليم المهني والتقني، وذلك عبر مأسسة كُليات جامعية مُستقلةٍ وقائمة بذاتها تتبنى نهج التعليم التطبيقي كمسارٍ تعليميٍ ثالث يُحققُ التكامل والفجوة والاختلاف الحاصل بين كلا الدرجتين العلميتين الأكاديمية والمهنية.
بحيث يتم ذلك من خلال بناءِ مسار للتجسير المهني في حُقول واختصاصات تطبيقيةٍ عدةٍ ذات أبعاد نظرية يُلزمُ فيها الطالب بأخذ مُتطلبات المهنة النظرية كشرط، لاستكمال الجزء التطبيقي والعملي الأهم في سوقِ العمل الخاص بتلك المهنة أو الوظيفة، وهي حقيقةً الضالة والحلقة المفقودة للاعتراف ببرامج التعليم المهني العالي كشهادات علميةٍ مُعتمدة مع توضح الفارق بين كلا الدرجتين والمسارين التعليميين حديث مقالتنا هذه.
خلاصةُ القول: إن المؤسسات التعليمية كالجامعات والتي بنت مسارات للتعليم التطبيقي فيها ويتوفرُ لديها كُليات مهنية وتقنية أصيلة ومُعترف بها، تسطيع الانتقال بذاتها والاستثمار في بناء منظومة داخلها للتعليم التطبيقي والمهني الشامل، كنقطة تلاقي للتجسير المهني والتقني، ونيلِ مُتطلبات التعليم المهني العالي فيها، بدءً بدرجة البكالوريوس المهني، مروراً بالدبلوم العالي، والماجستير المهني، أو حتى الدكتوراه المهنية لمزاولة مهنةٍ ما في سوق العمل، وذلك للمزيد من التخصصية والتعمق في احترافها، كذلك الميزة التنافسية فيها.