الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حكومة "كهانا حي" والحالة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 29/11/2022 ( آخر تحديث: 29/11/2022 الساعة: 14:16 )

الكاتب: جمال زقوت



رغم التعقيدات التي يواجهها نتانياهو في خلق ما يمكن تسميته بالتوازن بين متطلبات تسويق حكومته، التي يسعى لتشكيلها، اقليمياً ودولياً، وبين جوهر مواقف شركائه في اليمين الديني المتطرف، إلا أنه في النهاية سيجمل اتفاق حكومته مُرجحاً أولويته لحكومة مستقرة تنقذه من المحاكمة، حتى لو كان الثمن تعميق الانقسام في المجتمع الاسرائيلي بين مكونات الأصولية اليهودية من جهة، و"الليبرالية" من جهة ثانية.

سؤال هوية الدولة في اسرائيل، حيث تُصِّرُ الغالبية الساحقة لمكوناتها الحزبية على كونها دولة يهودية، بما يعنيه تأكيد اعتبار الدين قومية، وتوظيف الحبل السُّرِّى الذي يربط تلك الهوية بطابعها الديني والاستيطاني، للسيطرة على أرض فلسطين التاريخية، واستكمال تنفيذ المشروع الصهيوني، الذي يجسده قانون القومية العنصري، حيث ينص على أن حق تقرير المصير في اسرائيل هو حصري "للشعب اليهودي"، وأن "أرض اسرائيل"، التي تشمل من وجهة نظرهم ما يسمونه "يهودا والسامرة"هي الوطن القومي للشعب اليهودي،وأن اسرائيل هي دولة تمثل كل يهود العالم، الامر الذي يشكل البنية التحتية الفكرية والقانونية لهذا الانزياح . فتشريع الطابع العنصري لدولة "اليهود" شكل الرافعة التي حملت "الكهانية"إلى قلب مؤسسة الحكم، بعد أن سبق واعتُبرت، أي "حركة كاخ"، حركة ارهابية محظورة، وهذا لوحده يوضح طبيعة اسرائيل "الجديدة"،بل ربما اسرائيل الحقيقية.

فدولة تصر على يهوديتها كقومية، وتُجمع الاغلبية الساحقة من أحزابها ومكونات الحكم فيها على التوسع الاستيطاني، وترفض الاقرار بحق تقرير المصير للشعب الأصيل، ولو في حده الأدنى على 22% من أرضه التاريخية، هي التي أوصلت مجتمعها للنتيجة الطبيعية التي أفرزتها الانتخابات، سيما في ظل وجود "قيادة فلسطينية" منقسمة على نفسها في الحكم والجغرافيا وادارة الصراع ، وغلَّبت استراتيجية "استرضاء العدو" واللهاث وراء التهادن والتفاوض معه للحفاظ على مصالحها الفئوية والشخصية، على ضرورة المراجعة والحوار الجديين، والاستجابة لتطلعات شعبها بانهاء الانقسام واستعادة الوحدة، هذا بالاضافة إلى الهرولة العربية نحو التطبيع على حساب مصالح شعوبها، وليس فقط حقوق الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية، ناهيك عن تحوُّل النفاق الدولي وازدواجية معاييره إلى حالة مزمنة. هذه العوامل بمجملها شكلت جسر العبور نحو ما يمكن تسميته باسرائيل "الجديدة"، من حيث أنها لم تعد تحسب أي حساب للمُضِيِّ بمشروع "التطهير العرقي" الذي يتبناه به بن چڤير علناً، ولا تعارضه المكونات الحزبية والسياسية الأخرى ولو همساً.

اتفاق "نتانياهو ـ بن جڤير" حدد الطابع الاستراتيجي لعنصرية النظام السياسي في اسرائيل، و شرعن أسس هذه الكولونيالية العنصرية، التي طالما جرى تنفيذها على الأرض تحت "مبررات"أمنية زائفة، لتتحول إلى استراتيجية معلنة، بينما الاعتراضات أو الملاحظات التي تصدر من حلفاء اسرائيل، هي في الحقيقة تهدف فقط إلى حماية اسرائيل من نفسها، ومن سرعة اندفاعها نحو "الفاشية الرسمية"، دون أن يُغيِّروا من جوهر مواقفهم التي أوصلت النظام السياسي في اسرائيل لما هو عليه، وخاصة تلك المتصلة بالدعم اللامحدود وبالانحياز لدولة العدوان والحرب والاحتلال ضد تطلعات شعب يسعى للحرية وسلام "الحد الأدنى"من متطلبات استدامته بانهاء الاحتلال والاعتراف بحقه في تقرير مصيره.

من الواضح أن ما يمكن تسميته باسرائيل "الجديدة"، والتي انهار فيها حزب المؤسسين " المعراخ - العمل"، وحلفاؤه من الليبراليين واليساريين، أنتج اسرائيل "الحقيقية" الخالية من مساحيق التجميل، و أن المنعطف في أزمة المشروع الصهيوني بين إمكانية استكمال طابعه التوراتي الكولونيالي العنصري، أو القبول بتسوية تاريخية تقر بحق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، قد جرى حسمه بتبني استكمال تنفيذ البرنامج العنصري للمشروع الصهيوني،بما يحمل معه احتمالية تعميق تلك الأزمة، وتصعيد الصراع نحو الارهاب الاستيطاني، والرغبة في الحسم العسكري الذي يحمله برنامج حكومة نتانياهو بن چڤير وائتلافهما اليميني العنصري، والذي لا يبقي للفلسطينيين من خيار سوى الدفاع عن استمرار وجودهم، والانخراط مجدداً في دائرة العنف ربما بصورة غير مسبوقة .

السؤال الجدي المطروح على مكونات بقايا الحركة الوطنية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني في كل تجمعاته، هو كيف ستجيب على مأزقها المقابل، والذي وصل لطريق مسدود، ولم يعد يحتمل المراوغات الفارغة أو الصراع الانقسامي للسيطره على مؤسساتها المتآكلة، بقدر ما يستدعي الانصياع للارادة الشعبية، وتسليحها بالأمل وبمقومات القدرة على الصمود في مواجهة البرنامج العنصري، وما يحمله من مخاطر التهجير والاقتلاع وطمس الهوية الوطنية، كما يتطلب مغادرة حالة استمراء التكيف مع الأوضاع الراهنة في لعبة هندسة مستقبل نظامها السياسي على ضفتي الانقسام، أو عبثية الرهان على إمكانية استدعاء ضغوط أمريكية أو دولية لا تتجاوز بمضمونها الرغبة في ابقاء الحالة الراهنة، بتجديد نوعية مساحيق تجميل وجه حكومة نتانياهو، دون الاكتراث كثيراً لطابعها العنصري والاستيطاني الدموي الذي تمارسه ولو بحدود أقل حكومة لابيد المنتهية ولايتها .

إن التوافق على ما يمكن تسميته باستراتيجية عمل بديلة، تستدعي بنية وأدوات مختلفة، فالاهداف العامة التي طالما أجمع عليها الشعب الفلسطيني وجوهرها العودة وتقرير المصير ما زالت سارية المفعول، والمطلوب مراجعة جدية لتخليصها من التآكل والانحرافات التي لحقت بها، وألحقت أضراراً فادحة خلال مسيرة أوسلو، وما رافقها من سياسات تهميش لتجمعات الشتات، وشبه القطع مع جماهير الداخل، وطغيان الاستقطاب الانقسامي، وسياسات الاستفراد والاقصاء، واحتكار السلطة والموارد وتفشي الفساد والمحسوبية ونهب المال العام، وتغييب الارادة الشعبية، وغيرها من الظواهر التي تتسم بها الحالة الفلسطينية، وأوصلت شعبنا لحافة اليأس وطغيان الشعور بعدم القدرة على تغيير الواقع ، وهي بمجملها تتناقض مع متطلبات مرحلة التحرر الوطني والقيام بمهام تنمية القدرة على الصمود، واعادة بناء الهوية الجامعة ومؤسسات الكيانية الوطنية، التي تُمكِّن شعبنا من مواجهة مخططات التصفية، واستعادة الوحدة والديمقراطية وحق الناس في انتخاب قيادتها، دون أن يعني ذلك احتكار القرار من أي طرف مهما كانت قوته. وفي كل الاحوال طالما بقي الاحتلال سنظل بحاجة لحكومة وحدة وطنية لتعزيز الصمود و تنمية القدرة على البقاء وترسيخ الديمقراطية التي تستنهض الحالة الوطنية . كما أنه لا يمكن النجاح في ادارة الصراع ومواجهة المخاطر المحدقة دون استعادة الطابع الائتلافي لمنظمة التحرير الفلسطينية كونها الجبهة الوطنية التي تضم كافة القوى تحت خيمتها، ليس فقط القوى والفصائل السياسية غير الممثلة فيها، بل والقوى الاجتماعية الناهضة في المجتمع الفلسطيني سيما الشباب والمرأة وممثلي تجمعات الشتات، باعتبار المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده . هذه العناصر تشكل أساس خطة لاستعادة الوحدة والنهوض الوطني والديمقراطي، وكلها عناصر معلومة ولا تحتمل المزيد من ادارة الظهر. فواقع الحال يقول كفى ! "وبلاش نضحك على حالنا. هذا ما كان مطلوباً قبل الانتخابات الأخيرة في اسرائيل، وهذا ما هو مطلوب بالحاح اليوم، وبالحاح أكثر كل يوم يمضي دون أن نقوم بالمطلوب".