الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلسطين : لا حـل إلا بالكفــاح

نشر بتاريخ: 01/12/2022 ( آخر تحديث: 01/12/2022 الساعة: 20:03 )

الكاتب: د. مصطفى البرغوثي




في أعقاب عمليات المقاومة الأخيرة في القدس، التي فاجأت المؤسستين العسكرية والاستخباراتية، الإسرائيليتين، دعا أحد زعماء الفاشية في إسرائيل، والمرشح لتولي وزارة الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو العنصرية، ايتمار بن غفير، إلى اجتياح جديد شامل للمدن الفلسطينية الرازحة أصلاً تحت الاحتلال، و تنفيذ اغتيالات واسعة ضد القادة الفلسطينيين، وطالب أيضا بتدمير قرى فلسطينية بأكملها، وأطلق تهديده المتكرر للفلسطينيين بأن يعدوا أنفسهم لتكرار نكبة عام 1948، أي لتطهير عرقي شامل جديد.
ما قاله ويقوله بن غفير، هو ما يكرره الفاشيون الأشد تطرفاًن مثل سموتريتش وباقي أتباع فكر كاهانا الفاشي، ولكنه يمثل كذلك، ما يفكر به، ولا يقوله علناً، نتنياهو وأركان حزب الليكود، بل وجزء كبير من قادة المؤسسة الصهيونية الحاكمة في إسرائيل.
وذلك هو مغزى السياسة المعلنة، وغير المعلنة، للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وما تطبقه على أرض الواقع، بإصرارها على مواصلة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ورفضها المطلق قيام دولة فلسطينية مستقلة، وضمها الفعلي والتدريجي لمعظم مناطق الضفة الغربية، بما فيها القدس، ومنعها أي عملية سياسية مع الفلسطينيين، وسعيها الدؤوب للتطبيع مع حكومات عربية، على أمل تهميش القضية الفلسطينية وتصفيتها برمتها.
لماذا يستطيع حكام إسرائيل مواصلة هذه السياسة العدوانية والشرسة، بما في ذلك قتل 202 فلسطيني منذ بداية العام الحالي (2022 )، ومنهم 46 طفلاً، ومواصلة إحتجاز جثامين 373 فلسطينياً، منهم 12 طفلاً و 9 أسرى استشهدوا في السجون وامرأتان، وبعض هذه الجثامين محتجز منذ 55 عاماً؟ ولماذا لا يتورعون عن توسيع الاستيطان الاستعماري بوتيرة غير مسبوقة، ويعلنون نيتهم تشريع جميع البؤر الاستيطانية التي أنشأها المستوطنون بأنفسهم؟
ولماذا لا يخشى قادة إسرائيل إظهار عنصريتهم الفظة، ويعمقون نظام الأبرتهايد العنصري الذي أنشأوه ضد الفلسطينيين؟ ولا يتورع نتنياهو عن منح وزارة الأمن الداخلي بصلاحيات موسعة ووزارة النقب والجليل للفاشيين في حزب بن غفير، كي ينفذوا خططهم الإجرامية ضد الفلسطينيين في الداخل و الأراضي المحتلة، ويعمقوا عملية التهويد العنصري؟
والسؤال الأهم، لماذا ينعطف كل المجتمع الإسرائيلي نحو العنصرية الإجرامية والفاشية، وينتخب برلماناً يمثل العنصريون المتطرفون فيه ما لا يقل عن 90%؟
السبب الأول، الخلل الفادح القائم في ميزان القوى لمصلحة الجانب الإسرائيلي الذي تفاقم بعد انتهاء الانتفاضة الثانية، و بعد اتساع الإنقسام في الساحة الفلسطينية. والسبب الثاني صمت غالبية المجتمع الدولي على الجرائم الاسرائيلية، بما فيها جرائم الحرب، والسماح لاسرائيل بأن تكون فوق القانون الدولي، محصنة من المحاسبة والمساءلة على خروقاتها له ، وتنكرها لمئات من قرارات الأمم المتحدة.
ومع ذلك، تعجز اسرائيل، وجيشها الضخم ومؤسساتها العسكرية والاستخباراتية، كل يوم عن وقف مقاومة الشعب الفلسطيني، أو فرض الاستسلام والخضوع عليه. بل إنها تواجه مع كل جيل فلسطيني جديد إرادة أكثر عناداً، وأشد إصراراً على المقاومة والنضال.
فما المطلوب فلسطينياً، لمواجهة الخلل في ميزان القوى، وترجمة النضال الفلسطيني المقاوم إلى نتائج سياسية، وإجبار إسرائيل على التراجع؟
لعل المطلوب أولاً، التخلي عن الأوهام بأن تغيير السلوك الاسرائيلي يمكن أن يحدث بالإقناع، أو حسن السلوك، أو المراهنة على تدخل أميركي لتعديل النهج الإسرائيلي. وهي أوهام أنتجت نهجاً، ما زال يحكم المواقف الرسمية الفلسطينية، رغم اصطدامه بجدار الواقع اللئيم المرة تلو الأخرى.
والمطلوب ثانياً، إنهاء الانقسام، والاتحاد على نهج كفاحي مقاوم، يستخدم كل أشكال المقاومة المتاحة، بهدف تغيير ميزان القوى لمصلحة الفلسطينيين.
والمطلوب ثالثاً، بناء قيادة وطنية موحدة تنهي حالة الانقسام والفوضى الداخلية السائدة، وتتبنى استراتيجية علمية واضحة المعالم لإدارة الكفاح الوطني بذكاء وتخطيط يفهم بدقة نقاط القوة والضعف لدى الخصم، ولدى الفلسطينيين أنفسهم كذلك.
والمطلوب رابعا، البناء على ذلك كله، بتنظيم أوسع حملة تضامن دولي مع الشعب الفلسطيني ونضاله العادل مع التركيز على حملات المقاطعة وفرض العقوبات على حكومة الاحتلال، الأكثر إنكشافاً وعنصرية منذ أنشئت إسرائيل، وتصنيف حزب بن غفير وسموتريتش حركة إرهابية.
ودون الإسراع في اتخاذ هذه الخطوات، ستجد معظم القوى الفلسطينية نفسها تُهمش أكثر فأكثر، وتصبح أكثر عجزاً عن التأثير في الأحداث، في ظل تصاعد خطر الممارسات والاعتداءات الفاشية الإسرائيلية، وفي سياق تعاظم الانضواء الشعبي الفلسطيني في النضال الوطني والمقاومة، ومع تعمق الإدراك بأن اسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، وضرورة الاعتماد على النفس، بدل المراهنة عديمة الجدوى على تدخل خارجي.
وما من شك في أن السلوك السياسي للقوى الفلسطينية لا يمكن أن يكون سليماً، إن لم يبن على إدراك طبيعة المرحلة التاريخية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في صراعه مع الحركة الصهيونية. وهي مرحلة الختام من وجهة نظر الحركة الصهيونية المتطرفة التي تحلم، وتجاهر، بتكرار نكبة عام 1948، وتبني استراتيجيتها على إمكانية التخلص من وجود الشعب الفلسطيني، بعد أن أسست منظومة الأبرتهايد العنصرية كإطار للتعايش المؤقت مع وجوده البشري.
وفي المقابل، ومن وجهة النظر الفلسطينية، تمثل هذه المرحلة التاريخية بداية انهيار الحلم الصهيوني بجعل فلسطين يهودية خالصة، وفرصة للبدء بتغيير ميزان القوى نحو إنهاء ليس فقط الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث، بل من أجل إسقاط كل منظومة الأبرتهايد والتمييز العنصري الإسرائيلية في كل فلسطين التاريخية.
ليس ذنب الفلسطينيين أن حكام إسرائيل والمؤمنين بالصهيونية فيها تعمدوا قتل كل فرصة للحل الوسط، وما سمي "حل الدولتين"، وكرسوا بدلاً عن ذلك واقع دولة واحدة بنظام إحتلال وأبارتهايد عنصري.
لكن الذنب سيقع بالتأكيد كذلك على عاتق كل من يعجز عن رؤية ما تغير في الواقع القائم، ويصر على مواصلة الدوران في حلقة الماضي التي تجاوزتها الحياة، و التي ساهمت في اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل.
ليس أمام الشعب الفلسطيني للبقاء والحياة سوى طريق واحد، النضال والكفاح والمقاومة من أجل وطنه، وحريته، وكرامته، ومن أجل العدالة الإنسانية التي يطمح لها.