الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نتنياهو وبن غفير يُدخلان إسرائيل في مسار التدمير الذاتي..

نشر بتاريخ: 03/12/2022 ( آخر تحديث: 03/12/2022 الساعة: 19:44 )

الكاتب: العميد: أحمد عيسى

نتنياهو وبن غفير يُدخلان إسرائيل في مسار التدمير الذاتي.. والإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين خلف الأبواب

هكذا قرأ قسم لا يستهان به من أصحاب الرأي اليهود حول العالم نتائج الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وكان أصحاب الرأي هؤلاء قد انقسموا في قرائتهم للإنتخابات ونتائجها إلى قسمين، يرى القسم الأول أن بيبي وبن غفير هم الأفضل لحماية إسرائيل (دولة اليهود) من التهديد الوجودي الذي يمثله الفلسطينيين ولذلك صوت لصالحهم غالبية الشعب، ويجادل القسم الثاني أن الإيمان الأيدلوجي لكل من بيبي وبن غفير بأنهم اليهود الأحسن لخدمة المصالح اليهودية، قد أدخل إسرائيل حقاً في مسار التدمير الذاتي، وأن شروع إسرائيل تحت قيادتهم في تنفيد جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين لم يعد مجرد تخوف نظري.

وعلى ضوء تداعيات هذه النتائج على الفلسطينيين، فمن المشروع فلسطينياً التساؤل، هل سينجح معسكر نتنياهو وبن غفير في إستئصال تهديد الوجودي الذي يشكله الفلسطينيين للدولة دون الإنزلاق في نفق التدمير الذاتي، أم أن الإنزلاق في هذا النفق هو مآل حتمي لا يمكن تجنبه؟

للإجابة، يبدو هنا أن إسرائيل قد دخلت فعلاً منذ زمن ليس قصير في مسار النسف أو التدمير الذاتي، وما نتائج الإنتخابات الأخيرة إلا تعبيراَ عن أن الإنزلاق في هذا المسار قد بلغ مداه ولم يعد بالإمكان التراجع عنه.

وللتوضيح أكثر أجادل أن الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة لم تكن تعبر عن تنافس بين أحزاب سياسية على من سيحكم الدولة وفق أجندات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة كما تجري الإنتخابات عادة في المجتمعات الديمقراطية التي تدعي إسرائيل أنها تنتمي اليها وتعتنق مبادئها وقيمها، بل كانت تعبيراً عن صراع محتدم يتفاعل منذ ثلاثة عقود تقريباً بين هذه الأحزاب لفرز اليهودي الجيد لإسرائيل، عن اليهودي المسيئ لها.

ووفقاً لتعريف نتنياهو فاليهودي الجيد هو اليهودي المسكون بتهديد الضحية والمعرض للإستئصال دائماً، والمحاط بالأعداء من كل الإتجاهات، الأمر الذي يوجب عليه العيش بقوة السيف، أما اليهودي السيئ فيعرفه نتنياهو بأنه اليهودي الذي نسي أنه يهودي وتناسى التجربة اليهودية، ومال مع الوقت لتصديق أن العرب (الفلسطينيين) يمكن الثقة بهم ووضع أمن دولة اليهود بأيديهم، مما يعني أن العداء مع العرب الفلسطينيين هو عداء أبدي لا ينتهي.

وقد نجح نتنياهو في تقديم نفسه للمجتمع اليهودي في إسرائيل وخارجها بأنه الأفضل لليهود ودولتهم، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قد وصفه في كتابه الأرض الموعودة المنشور العام 2020 "إن رؤيته لنفسه كمدافع رئيس عن اليهود تسمح له بتبرير كل ما يمكن أن يبقيه في السلطة".

ربما يكون هذا الإدراك للأيدلوجيا المتطرفة المحركة لليمين القومي الديني وعواقبها هي التي دفعت معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي (INSS) الذي يضم نخبة من الأكاديميين الإسرائيليين ومن جنرالات الجيش المتقاعدين إلى نشر تقدير موقف بتاريخ 29/11/2022، يؤكد أن إسرائيل في ظل الحكومة اليمينية الجديدة لن تعترف أبداً بالفلسطينيين كشعب، ولا بحقهم في تقرير المصير، وترفض حل الدولتين، وستستمر في بناء المستوطنات في الضفة الغربية ولن تخلي البؤر الإستيطانية بل ستشرعنها، وستعمل على تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، كما أن أغلبية أعضاء الحكومة الجديدة ترى في السلطة الفلسطينية مصدر إزعاج يتوجب إزاحته من الطريق.

وللتأكيد على صحة ماورد في تقدير المعهد برر نتنياهو رفضه حل الدولتين في ظهوره الإعلامي الأول باللغة الإنجليزية الذي خص فيه على ما يبدو الإدارة الأمريكية والرأي العام الأمريكي، لا سيما الرأي العام اليهودي الأمريكي الذي عبر عن تخوفه من إفلات الأمور عن السيطرة نتيجة لحماس أحزاب الصهيونية الدينية من تنفيذ أجندتها العنصرية التي تتعارض مع المصالح الأمريكية من خلال لقاء (بودكاست) أجراه معه الصحفي الأمريكي (بري وايس) يوم الأربعاء الماضي الموافق 30/11/2022، بالقول (أن الفلسطينيين لا يريدون دولة تعيش بسلام مع إسرائيل، بل يريدون دولة تحل مكان إإسرائيل).

ولغايات الوقوف على الفوارق بين اليهود الجيدين والسيئيين لإسرائيل فيما يتعلق بمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يرى رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين بصفته من اليهود السيئين وفق تصنيف نتنياهو أن العداء بين الشعوب لا يمكن أن يكون أبدي، إذ أن الشعوب تتجه لتسوية الصراعات فيما بينها إذا ما تغيرت الظروف السياسية المحيطة، هذا ما قاله رابين العام 1994 عندما قرر الإنخراط في التسوية السياسية للصراع مع منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي دفع أحد نشطاء اليمين الديني المتطرف (إيجال عامير) إلى إغتياله العام 1995.

وينبغي هنا التوضيح أن قتل القيادات السياسية الإسرائيلية أو التهديد بقتلهم من قبل أفراد اليمين المتطرف، لا يقتصر فقط على القيادات المصنفة بأنها تنتمي الى معسكر اليسار الإسرائيلي، إذ تشمل قائمة القتل قيادات من معسكر اليمين المتطرف نفسه إذا ما انخرطوا في تحالفات معارضة لنتنياهوبصفته الأفضل لليهود، الأمر الذي تجلى بوضوح في التهديد بالقتل الذي تعرض له في مطلع العام الجاري 2022 رئيس الحكومة في حينه نفتالي بينت المعروف بيمينيته وعدوانيته وعنصريته.

وتأسيساً على ذلك يجادل الأستاذ في جامعة بار إيلان ديفيد باسيغ الذي يعتبر الخبير الأهم في الدراسات المستقبلية في إسرائيل، كما يقدمه الخبير في الدراسات المستقبلية الفلسطيني وليد عبد الحي في دراسة له نشرت العام 2020، أن الصراع على مستقبل المناطق المحتلة هو السبب الرئيس للإنقسام في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، ويضيف باسيغ أن المجتمع في إسرائيل يتجه نحو حرب أهلية مدفوعة بهذا الإنقسام، وأن هذه الحرب والقول لباسيغ ستكون صادمة بدرجة كبيرة، وستبدأ بقتل أحد الزعماء الإسرائيليين في إطار التنافس الحزبي والعرقي والموقف من مستقبل الضفة الغربية.

ما تقدم يوضح أنه لن يكون بمقدور نتنياهو وبن غفير إستئصال تهديد الفلسطينيين الوجودي لإسرائيل دون الدخول في نفق مظلم كما وصفه المدافع الأبرز عن إسرائيل في أمريكا توماس فريدمان في مقالته المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 4/11/2022، ودون الإنزلاق في مسار النسف والتدمير الذاتي كما كتب مؤخراً الكاتب اليهودي الأمريكي (يعقوب هارسخ) في مقالة له نشرها موقع موندويس بتاريخ 28/11/2022، وفي الوقت ذاته يفرض على الفلسطينيين تطوير ما يلزم من إستراتيجيات تضع على رأس أولوياتها الوضع الداخلي الفلسطيني، لضمان على الأقل عدم إنزلاق الفلسطينيين مع إسرائيل في ذات النفق المظلم.

*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي