الكاتب: د.فوزي علي السمهوري
تساؤل يدور في أذهان الشعوب وخاصة الشعب العربي وطليعته الشعب الفلسطيني مفاده طالما أن امريكا دولة عظمى تولت وتتولى قيادة العالم " حتى ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب " بحكم سطوتها وقوتها الاقتصادية والعسكرية وتقدمها التكنولوجي مما اكسبها نفوذا وهيمنة دانت له معظم دول العالم إضافة إلى قدرتها التحكم بقرارات مجلس الأمن من خلال تمتعها بحق النقض " الفيتو " كونها دولة دائمة العضوية بمجلس الأمن فهل هي عاجزة عن ممارسة نفوذها على كيان لم ولن يحلم كيان مصطنع أو دولة أن تحظى بدعم ورعاية كالكيان الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي بإنهاء إستعمارها لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا تنفيذا للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بارقامها 181 و194 وقرارات مجلس الأمن 242 و2334 أم أن هناك أن هناك غياب إرادة سياسية إستراتيجية للدولة الأمريكية العميقة كما هو باد عن تمكين وتجسيد حق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير واقعا إعمالا وإحتراما لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة ولقراراتها بتصفية الإستعمار وكفالة حق الشعوب بتقرير المصير ؟ .
فالموقف الأمريكي من قضية الشعب الفلسطيني على مدار العقود الثمانية الماضية وإنحيازها الأعمى يتناقض جوهريا مع دورها ومسوؤلياتها بتجسيد وترسيخ السلم والأمن الدوليين وفرض تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة مما يثير عددا من التساؤلات تستدعي من الإدارة الأمريكية تقديم إجابات أمام العالم وضرورة أن تنسجم سياساتها العملية مع طروحاتها وشعاراتها ومنها :
أولا : هل الولايات المتحدة الأمريكية تؤمن فعلا بمبادئ أهداف الأمم المتحدة وميثاقها ام تتخذها ذريعة وأداة توظيف خدمة لسياستها ومصالحها ؟
ثانيا : هل إنحيازها ودعمها للكيان الإسرائيلي بالرغم من سياسته العنصرية والعدوانية وإرتكاب مختلف أشكال جرائمها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإنتهاكاتها الصارخة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحق الشعب الفلسطيني على الصعد الفردية والجمعية وإستمرار إحتلالها الإستعماري لأراض الدولة الفلسطينية منذ عقود ينسجم مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والعدالة ومثال الحق شعار الرئيس بايدن ؟
هل من ثقة في السياسة الأمريكية ؟ :
للحكم على الثقة في السياسة الأمريكية يمكن لنا الحكم من خلال سياستها إزاء إتجاه الشعب الفلسطيني حيث تمثل النموذج والعنوان لعدم وغياب الثقة الشعبية بالسياسة الأمريكية لإنحيازها ودعمها للعدوان الإسرائيلي بإحتلالها الإحلالي الإستعماري لفلسطين الذي نجم عنه فقدانها الثقة الشعبية كما الرسمية إلى حد كبير .
غياب الثقة مردها إلى :
* إستمرار العمل على تمكين الكيان الإستعماري الإسرائيلي من كافة عناصر القوة والإفلات من المساءلة والعقاب أمام المحكمة الجنائية الدولية وكافة مؤسسات الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن .
* إطلاق الشعارات النظرية كالإلتزام بحل الدولتين ومعارضة ما تطلق عليه الإجراءات الأحادية دون إتخاذ اي خطوة تنفيذية وعملية على أرض الواقع ضاغطة على سلطات الإحتلال الإسرائيلي لإلزامه البدء بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2334 كبداية لتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية .
* ممارسة الضغوط على دول عربية وإسلامية وصديقة للإعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية قبل إنهاء إستعمارها لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
* إغماض العين عن جرائم ميليشيا المستوطنين وإقتحاماتها للقرى والمنازل الفلسطينية وتدمير المزارع والسطو على أراض فلسطينية بدعم وحماية وتمكين من جيش الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي .
* منع الإعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة سواء عبر إستخدامها حق النقض الفيتو أو ممارسة ضغوط على بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن .
ما تقدم يبرز تساؤلا هل بالإمكان إعادة بناء الثقة في السياسة الأمريكية إتجاه ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ؟
بالتأكيد يمكن ولكن هذا يتطلب من الإدارة الأمريكية اولا ان تترجم مبادئها وقيمها إلى إجراءات عملية تتمثل في :
أولا : تجسيد الإعتراف بالدولة الفلسطينية المحدد حدودها بقرار التقسيم رقم 181 بدءا بإقامتها على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني .
ثانيا : الكف عن سياسة إدارة أزمة والتحول إلى حل الصراع بكفالة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 تنفيذا للقرار رقم 194 .
ثالثا : توجيه إنذار إلى إسرائيل للبدء بإنسحاب قواتها من الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها خلال جدول زمني محدد تحت طائلة فرض العقوبات والعزل ليس إنتصارا فقط للشعب الفلسطيني وإنما إنتصارا لمبادئ وأهداف الأمم المتحدة وإحتراما لذاتها ودورها كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي .
رابعا : إعلاء سمو الشرعة الدولية وما تعنيه من فرض تنفيذ القرارات الدولية دون إزدواجية وإنتقائية .
خامساً : إحترام ودعم حق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه ووطنه ونضاله من أجل الحرية والإستقلال والتحرر من الإستعمار الإحلالي الإسرائيلي العنصري بكافة الوسائل المكفولة دوليا وتنفيذا للقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصفية الإستعمار انما وجد .
هل تملك أمريكا القدرة :
نعم لأمريكا الإمكانيات والقدرة على إرغام إسرائيل إنهاء إحتلالها الإستعماري خلال أيام إذا ما توفرت لديها الإرادة الجادة وما حشدها لمعسكر واسع خلال أسابيع دعما لأوكرانيا بالمال والسلاح وفي الأمم المتحدة في مواجهة دولة عظمى كروسيا إلا دليل على ذلك .
هيبة أمريكا على المحك :
الرئيس الأمريكي بايدن اعلن كما تعلن دوما إدارته الإلتزام :
* بحل الدولتين والذي لا يعني قانونيا وحقوقيا سوى تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
* فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية .
* الإعتراف بالضفة الغربية من نهر الأردن وغزة أراض محتلة وفقا لعشرات القرارات الدولية .
إذن ما المانع أمام الإدارة الأمريكية من السير قدما بخطوات عملية نحو التنفيذ؟ هل في الضعف أمام اللوبي الصهيوإسرائيلي في أمريكا والعجز أمامه ؟ ام غياب الإرادة السياسية للدولة العميقة؟ ام إدارة أزمة حتى يتسنى لأمريكا من إنجاز إدماج الكيان العدواني الإسرائيلي في الوطن العربي تمهيدا لبسط النفوذ والهيمنة الإسرائيلية على إمتداد الوطن العربي الكبير ؟
أسئلة وتساؤلات ولكن التحدي الماثل الآن أمام الرئيس بايدن وإدارته يتمثل في كيفية مواجهة رموز الإرهاب الدولي الممثل في حكومة مجرمي الحرب نتنياهو وإبن غفير وسموتيرش وباقي الجوقة التي تعلن سلفا عن سياستها برفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة والمضي بتأييد إحتلالها الإستعماري لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا وتصعيد جرائمها بحق الشعب الفلسطيني ومصادرة أراضيه والسطو على ثرواته ومقدراته إلا مؤشر على تقويض الأمن والسلم الإقليمي.
بلينكن أمام j Street :
خطاب وزير الخارجية الأميركي بلينكن أمام j Street أمس وتأكيده على معارضة اي اعمال للحكومة الإسرائيلية تقوض حل الدولتين من إستيطان وضم أراض وغيرها من الأعمال بداية جيدة في مواجهة حكومات متطرفة وقد يكون أعظمها لأهدافها المعلنة ولعقلية مكوناتها الإرهابية والإجرامية التي لا ترى في العالم سوى نفسها ومصالحها ولكن العبرة ليست في التصريحات والخطابات وإنما في ترجمة المواقف إلى إجراءات عملية تضع حدا للعنجهية الإسرائيلية بقيادة نتنياهو كرمز وعنوان للعربدة والتطرف والإرهاب ....
الشعب الفلسطيني الصامد في وطنه مدعوما من أحرار العالم سيبقى عصيا على المؤامرات وماض في نضاله مهما واجه من ضغوطات وصعوبات بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى التحرر والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 بإذن الله ... ؟!