الكاتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة
تشهد الأردن منذ أيام، حركة احتجاجات وتظاهرات شعبية في عدة محافظات ضد الحكومة، وذلك بعد إعلان نقابة أصحاب الشاحنات والعاملين على خطوط النقل البري الإضراب عن العمل، في الرابع من الشهر الجاري، ومطالبتهم بخفض أسعار النفط ورفع أجور النقل للشاحنات، ليتحول هذا الاضراب إلى بؤرة تتركز فيها الاحتجاجات الشعبية في عدة محافظات وخاصة المحافظات التي يقطنها القبائل الأردنية، ومصاحبتها بأعمال عنف أدت حتى الآن إلى مقتل عقيد في الشرطة واصابة العشرات من الشرطة والمواطنين، ولتتحول الأزمة إلى سياسية مع تحركات أعضاء المجلس النيابي لطرح الثقة بحكومة بشر الخصاونة، كما حملت الأحداث أيضاً طابعاً دولياً مع تحذير الولايات المتحدة الأمريكية رعاياها في الأردن من السفر إلى أربع محافظات أردنية. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كذلك، هاشتاغات تشير إلى تأزم الوضع في المملكة أبرزها "عصيان_مدني"، "إضراب_الكرامة"، "عصيان_الكرامة"، "الأردن_مش_بخير" إلى غير ذلك من الأوسمة التي شهدت مشاركات وتعليقات واسعة، مما حدا بالحكومة الأردنية إلى فرض قيود على بعض برامج التواصل الاجتماعي وخاصة برنامج "التك توك" الذي يتشارك فيه النشطاء صوراً ومقاطع فيديو لما يجري من أحداث. وهذا المشهد يذكرنا بأحداث ما سمي بالربيع العربي عام 2011، التي بدأت على مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى احتجاجات سلمية ثم انتقلت على ارض الواقع وأدت الى صراع عنيف وازمات سياسية إقليمية ودولية في عدة دول عربية وأزهقت كثير من الأرواح واطاحت بالعديد من الأنظمة.
لا شك بأن شرارة ما يجري الان هو بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الأردن والإجراءات التي اتخذتها الحكومة من رفع الدعم عن مواد أساسية والتمسك بضرائب ثابتة وأدت إلى ارتفاع الأسعار وزيادة في نسب البطالة مما أثقل كاهل المواطن وجعله يخرج عن صمته.
واذا ما اردنا ان نتحدث عن انعكاس هذه الازمة على دول المنطقة المحيطة بها، فلنبدأ أولا بالولايات المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، أما من ناحية الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تعتبر المملكة الأردنية مهمة جداً في المنطقة العربية وتلعب دوراً محورياً في القضية الفلسطينية وخاصة في قضية الضفة الغربية والقدس، وعلى الرغم من تعهدها بتقديم دعم مالي يصل إلى حوالي مليار دولار سنوياً، إلا ان هذا الدعم لم يصل عاجلا لأسباب أمريكية داخلية تتعلق باستراتيجية أمريكا أولاً، إلا انه سيصل آجلاً لان الإدارة الامريكية مازالت تعتبر الأردن شريكاً مهماً في المنطقة ولم ينتهي دورها ولا يجب التخلي عنه وحتى لو ارادت بعض التعديلات في وجوه النظام فلن تتخلى عنه كلياً.
أما من ناحية إسرائيل، فالأردن تعتبر أهم دولة مرتبطة بالأمن القومي الإسرائيلي، وفي السنوات القليلة الماضية، شهدت العلاقة الأردنية الإسرائيلية حالات من الشد والجذب على خلفية مواقف الملك عبد الله الثاني من صفقة القرن والقدس وفكرة الوطن البديل والسيادة الأردنية على سكان الضفة الغربية وليس على ارض الضفة الغربية، إلا أن هذه العلاقة تبقى قوية ولا يمكن لها أن تصل حد القطيعة وانما ربما أن إسرائيل تستفيد مما يحدث ولها مصلحة في تليين مواقف الأردن من القضايا التي ذكرتها، وإسرائيل لا مصلحة لها بهدم النظام الهاشمي ولكن ربما يكون لها مصلحة بإعادة هندسته مجددا مع وجوه جديدة خاصة وان علاقة الملك عبد الله مع نتنياهو علاقة سيئة وبها كثير من الرياح العكسية. وهذا ما يفسر عدم وجود تعاطي سياسي إسرائيلي ولا حتى تصريحات في الاعلام الإسرائيلي بما يجري، وهذا قد يؤشر إلى أن ما يحدث في الأردن مقبول اسرائيلياً لكنها لا تريد أن تظهر في الصورة كي لا تتحمل المسؤولية أو تكون جزء من الاستقطاب الأردني الذي ان ظهرت فيه داعمة للحراك فإنها ستفشله.
أما من ناحية السلطة الفلسطينية، فالعلاقة بين الرئيس محمود عباس والملك عبد الثاني أكثر من ممتازة والتنسيق بينهما على أعلى مستوى، وهناك علاقات اقتصادية وامنية كبيرة إلا أن موضوع حركة حماس ربما هذا ما يخدش هذه العلاقة الجيدة، وقد رأينا أن هناك توجهات في الأردن لإعادة العلاقة مع حركة حماس وخاصة مع خالد مشعل، وهذا الامر محل خلاف وجدل في العلاقة الأردنية الفلسطينية على المستوى الرسمي، إلا انه من غير المتوقع ان يكون له أثر يذكر فيما يجري الان من حراك اردني داخلي، ولكن ربما ان تطورت الاحداث ان يكون له اثر.
ولا يجب أن نغفل العلاقة السعودية الأردنية والتي اعتقد أن هناك توتر ما بينهما وخاصة فيما يتعلق بقضية القدس ورغبة المملكة السعودية بأن تنتقل الرعاية على الأماكن المقدسة في القدس من عمان الى الرياض، واذا ما كبرت "كرت ثلج كانون" فإنها بالتأكيد ستصيب هذه العلاقة وستؤثر عليها سلباً او إيجاباً.
في ضوء ذلك، يجب على الملك عبد الله أن يسير بحذر شديد في التعامل مع ما يجري وأن يجتهد كثيراً بأن لا يكون الحل أمني فقط كي لا تكبر كرة الثلج ويحدث ما حدث في سورية لا سمح الله، ولكن يجب ان يكون الحل بالاستماع لصوت الناس وخاصة الشباب منهم والتخفيف عنهم بأقصى ما يمكن ووضع حد للفاسدين الذين ينهبون المواطن والبلد وذلك عبر اتخاذ إجراءات حاسمة وملموسة للمواطن بحق هؤلاء حتى يشعر المواطن أن ملكه معه ولا يتخلى عنه.