الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
ورد في بيان الإتحاد الأوروبي المتعلق بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة الصادر يوم الجمعة الماضي بتاريخ 16/12/2022 ما يلي "أن الأوضاع الأمنية في المنطقة تتفاقم بسبب الإجراءات الاستفزازية والخطاب التحريضي ما يتعارض بشكل أساسي مع حل سلمي للنزاع " وورد أيضاً " الكراهية والتحريض على العنف ومعاداه السامية تتعارض مع قيم الإتحاد الأوروبي ".
البيان الأوروبي "طالب" و "دعا" إسرائيل إلى إنهاء الصراع وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية وتقديم التزام واضح لصالح حل الدولتين، ولكنه في المقابل "هدد" بتعليق التمويل للمناهج الفلسطينية "اذا تم تقديم دليل واضح ومثبت على إساءة الاستخدام" كما "أدان" البيان الأنشطة غير المقبولة من سلطة الأمر الواقع في غزة " واعترف البيان بشرعية المخاوف الأمنية لتل ابيب وحقها في "محاربة العنف وحماية المدنيين"، وطالب بالإفراج عن جثماني الجنديين الإسرائليين هدار غولدن واورن شاؤول إلى إسرائيل لأنهما محتجزان في قطاع غزة في انتهاك للقانون الدولي الإنساني. ولن نقوم بتحليل لغة البيان ولا مدلولاته القريبة والبعيدة، فهذه هي أوروبا ، وهذه هي سياساتها ، فما اخفاه البيان وسكت عنه بأهمية ما أظهره أن لم يكن أكثر ، فقد اختفت الإشارة إلى ممارسات الإحتلال البغيضة غير المسبوقة واشير إليها في البيان بأنها "إجراءات استفزازية". الحقيقة أن البيان استوقفني ولا أريد أن اقول "استفزني" ، مرة أخرى ، هذه أوروبا الضعيفة، المنساقة والمسحوقة أمام الحماية الأمنية والدبلوماسية الأمريكية، وهذه أوروبا التي صنعت إسرائيل وغذتها ووفرت لها الحماية والدعم ودللتها طيلة هذه السنوات، هذه أوروبا الاستعمارية التي لا يمكن لها أن تتنكر لتاريخها الاستعماري الذي ما يزال متواصلاً ونشطاً في كثير من دول الكرة الأرضية.
لكن ، وبينما أتأمل في البيان خطر ببالي فكرة، أذ ماذا لو حاولت تطبيق ما يطالب به هذا البيان أو في الحقيقة ما يدعيه، فالكراهية والتحريض ومعادة السامية هي أمور نرفضها وندينها باعتبارها من أخلاقنا أيضاً، وهي معتقداتنا التي لم نتخلَّ عنها يوماً، ونحن لا نفهم حقا المعاني الغربية لهذه المصطلحات التي نشأت في تاريخ غير تاريخناً، ولكن وتماشياً مع هذا الطلب المفتعل والذي يتضح من ورائه الضغط الإسرائيلي، فإنني هنا سأحاول كتابة أخبار عن "الإجراءات الاستفزازية" التي تمارسها إسرائيل في بلادنا وذلك تطبيقاً للطلب الأوروبي بالتخلي عن الكراهية والتحريض ومعادلة السامية.
المثال الأول:
اطلق محليون النار على قوات إنفاذ القانون الإسرائيلي خلال قيام هذه القوات باعتقال عدد ممن يشتبه بقيامهم بعمليات اعتداء متعددة على مواطنين إسرائيليين في منطقة نابلس ليلة أمس وقد تمكنت هذه القوات من اعتقال محليين اثنين متورطين باطلاق النار على بلدة ألون موريه في السامرة قبل عدة أسابيع، وهذا ولم تسجل إصابات في صفوف قوات إنفاذ القانون. يذكر أن هذه القوات المكونة من حرس الحدود والشاباك تقوم منذ ما يزد على ثلاثة أشهر بعمليات اعتقال متعددة في منطقة السامرة وخصوصاً في مدينتي جنين ونابلس اللتين تعتبران معقلاً لهذا النوع من المخالفات القانونية التي تشوش على الحياة الإعتيادية للسكان المحليين.
المثال الثاني:
بمناسبة عيد الأنوار، فقد نظمت عدة جمعيات دينية وثقافية زيارة لجبل الهيكل صباح هذا اليوم مصحوبة بحماية مناسبة تحافظ على قدسية المكان وأهميته، وقد شارك في هذه الزيارة عدد من أعضاء الكنيست ورؤساء تلك الجمعيات وطلاب مدارس دينية. ومن المتوقع أن تتواصل هذه الزيارات خلال الأيام الثمانية المقبلة مدة أيام العيد، ويأتي هذا العيد بمناسبة انتصار الحشمونيين على الحاكم اليوناني للبلاد سنة 165 ق.م، ومن ثم طرد جيشه من الهيكل وتدشينه حسب الشريعة اليهودية، من جهة أخرى فإن هذه الزيارات عادة ما يصاحبها اعتراضات من السكان المسلمين تتنهي في بعض الأحيان بالاعتقالات أو الإصابات ، وتعمل الشرطة الإسرائيلية على توفير الأمن والسلامة للجميع .
المثال الثالث:
قررت الجهات المختصة في الإدارة المدنية الإسرائيلية وضع اليد على ما مساحته 3492 دونماً من الحوض رقم 13 والحوض رقم 14 من أراضي عقربا شمال نابلس في السامرة، وذلك حيث تبين للجهات المختصة أن هذه أراضي دولة ولا تعود لملكية فردية أو جماعية في القرية، ورغم ذلك فإن الإدارة المدنية سمحت بالاعتراض على القرار بالمدة القانونية المحددة لتقديم الإعتراضات. وذكرت مصادر مطلعة أن قرار وضع اليد على هذه مثل هذه الاراضي يأتي للمنفعة العامة للجمهور.
المثال الرابع:
متحت بلدية القدس مهلة 21 يوماً لأحد سكان العاصمة أورشليم القدس حتى يتمكن من هدم بيته ذاتياً، وذلك على خلفية قيامه ببناء بيت بدون ترخيص. وتأتي هذه المهلة لتمكين الشخص المخالف من القيام بمهمة هدم العقار غير المرخص بدلاً من قيام طواقم البلدية المختصة بعملية الهدم وذلك لأرتفاع رسوم تلك العملية. وتقوم بلدية أورشليم القدس عادة بإعطاء هذه المهلة للمخالفين بهدم منازلهم غير المرخصة حتى توفر عليهم مصاريف زائدة.
المثال الخامس:
أفاد مصدر مسؤول في الجيش الإسرائيلي أن عيارات نارية اطلقت بالخطأ أدت إلى مقتل فلسطينياً خلال عملية اعتقال في مدينة جنين بمنطقة السامرة نفذها الجيش في الحادي عشر من الشهر الجاري، وأضاف المصدر أن الجيش يفحص إمكانيات أخرى للحادث,
انتهت الأمثلة ، وأعود إلى بيان الإتحاد الأوروبي وأقول، أن ما يطلبة الإتحاد من الضحية لا يمكن احتماله، فالإحتلال لا يبقي مساحة لنا من أجل فهمه أو أنسنته أو حتى جرِّه إلى منطقة للحوار. الإحتلال تجاوز اليمين الليبرالي وحتى الحريدي، وارتمى في أقصى ما يمكن للنفس البشرية أن تصل إليه، المنطقة التي لا يرى فيها إلا نفسه ولا يخاطب أو يحاور إلا ذاته، لا يمكن للضحية أن تكون حيادية إلى درجة التعقيم أن العقم وإلا لانتحرت، مرة بكونها ضحية ومرة أخرى بقبولها هذا المصير.