الإثنين: 13/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الأسد المُقنع والمجتمع المُقتنع

نشر بتاريخ: 26/12/2022 ( آخر تحديث: 26/12/2022 الساعة: 11:16 )

الكاتب: رامي مهداوي

في زمن الانتفاضة الأولى كان لناصر أبو حميد هتاف خاص يردد في شوارع مدينة رام الله ومخيماتها والقرى المجاورة لها: "ناصر أبو حميد يا أسد مقنع... في الليل والنهار البلطة بايدك تلمع"، في بداية الإنتفاضة الثانية تعرفت على هذا الأسد عن قرب، قليل الكلام كثير الفعل في زمن كان عدد من "القيادات" من مختلف الألوان يأتون فقط للتصوير والحديث مع وسائل الإعلام وكان هو المُقنع الخفي بأول الصفوف.

بين ماضٍ وحاضر، وبين فرد ومجتمع، وما بين الزمن والمكان والمتغيرات على كافة الأبعاد المحلية والإقليمية والعالمية؛ تتغير الآيديولوجية والمصالح والأدوات والأدوار، فيصبح الفعل الحاضر الى ماضٍ لا يعود، والفاعل إما شهيد، أسير، محرر،مبعد أو جريح، إلاً أن الأسد المُقنع حطم كل ذلك ليبصح هو كُل ما تم ذكره.

الغريب بالأمر والمحزن لدرجة "الهستيريا " بأن الحاضنة المجتمعية للكل الفلسطيني التي أنجبت أسود أمثال ناصر ومازال رحمها خصب بالأشبال وما أكثرهم في هذا العام، يقف صامت ساكن تائه أستطيع وصفه بالمقتنع بأن يبقى الحال كما هو عليه، ما شكل دافعة قوية لولادة أشبال في مختلف محافظات الوطن متمردين على الكُل المقتنع مُقدمين أنفسهم وأرواحهم فداءً للوطن في ظل الملحمة التاريخية التي يقودها أبناء شعبنا بشكل فردي.

مجتمع مُقتنع ببقاء الحال على ما هو عليه لا حرب ولا سلام، الكلُ خاضع للسكون دون أي فعل جماعي ومظلة وطنية تقودنا في مواجهة الإحتلال كلٌ حسب طاقته وإمكانياته، وهذا واضح على صعيد غياب أغلب المؤسسات والهيئات والفصائل بالعمل الجماعي والإكتفاء بالشعارات والتصريحات والمؤتمرات وورش العمل؛ ما جعل صانع القرار محلل سياسي، والمحلل السياسي يطمح أن يصبح صانع قرار، وصاحب المال يبحث عن السلطة وصاحب السلطة يبحث عن المال، والكُرسي الدوار بين مسؤول/ة في السلطة وناشط/ة في المجتمع المدني... لتضيع الأدوار!!

تلك الحالة أصبحت مُمَكنة لولادة الأشبال وإستكمال طريق الأسود في مختلف تواجدهم الجغرافي، وشق طرق جديدة وعرة خطيرة في مواجهة قوة عسكرية إحتلالية متطورة على صعيد السلاح والتكنولوجيا الحربية، لكن أشبال فلسطين يمتلكون ما لا يمتلكه عدوهم وهو الإيمان بالقضية.

لنتذكر بأن ناصر أبو حميد أصيب أول مرة برصاص الاحتلال وهو شبل ابن 11 عاما، لتتوالى بعدها الرصاصات والشظايا في جسد الشبل الذي تحول الى أسد متمرد على القيود والتدجين ما جعله قناص في ساحات الاشتباك، ليصبح أبرز مؤسسي "كتائب شهداء الأقصى" .

رحيل الأسد المُقنع في ظل المجتمع المُقتنع؛ وبظروفنا الحالية سيؤدي الى ولادة أشبال لا يعرفون من هو ناصر أبو حميد لكنهم يعرفون الطريق والتعاليم والأدوات التي عايشها، ويسمعون صدى الزئير القادم من زملائه في سجون الإحتلال وهم يروضون سجانهم خلف القضبان... فرواية الأسد المُقنع لم تنتهِ بعد، وربما بدأت؟!