الإثنين: 13/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الجماهير والثورة والقيادة

نشر بتاريخ: 02/01/2023 ( آخر تحديث: 02/01/2023 الساعة: 14:01 )

الكاتب: الأسير قتيبة مسلم



في ذكرى انطلاقة شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة الثامنة والخمسين تندفع الجماهير الفلسطينية الهادرة في كافة ساحات الانتشار الفلسطيني لإحياء هذه الذكرى المباركة والمجيدة ذكرى النور الفلسطيني الكفاحي الذي أضاء عتمة ليل المنفى والشتات والغربة ونبضَ في قلوب الباحثين عن النجاة والحرية والعودة ونار الثورة اللهابة التي تحرق خرافات الاستعمار وجنون ومشروع المستعمرين المستوطنين بتضحيات الفدائيين من آمنوا بالله أولاً وعشقوا أرض الوطن فلسطين ونذروا أنفسهم قرابين لأجل مواجهة هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني العدواني الذي يستهدف كل تفاصيل الحياة الفلسطينية المتجذرة والأصلانية.
مسيرة طويلة منذ الفاتح من كانون عام 1965حيث أطلقت طلائع فتح الثورة رصاصاتها وشعلة الفداء والحرية والكرامة والعودة متجاوزين كل الارهاصات والأفكار والأيديولوجيات وهويات الأحزاب المتناحرة والتي استثمرت طاقة الشباب الفلسطيني الباحث عن الحرية والهوية والاستقلال في معارك ثانوية جانبية لتكون فتح الثورة المعبر الحقيقي عن طموحات وآمال أبناء الشعب الفلسطيني وحاملة رسالته الوطنية وأهدافه وطموحاته التحررية لأنها انطلقت من الشعب وللشعب تقدم وتضحي.
فكانت الثورة شرارة رفض للهزائم والنكبة والاستعمار والصمت العربي بأقل الإمكانيات المتوفرة مستندة على إرادة الجماهير الحرة وإيمان الثوار وصبر الثائرين الفدائيين نحو التحرير.
وما بين لحظة الانطلاقة الثورية المظفرة قبل ثمانية وخمسون عاماً ولحظة إحياء هذه الذكرى المباركة هناك معارك وبطولات وجراح وتضحيات وشهداء وأسرى وتاريخ بطولي محتشد بالعطاء والتضحية والإيثار وأيضاً هناك العديد من الكبوات والإخفاقات والسلبيات والتناقضات لكن فتح الثورة رغم كل سهام الاستهداف والحصار والتركيع والاستيعاب بقيت عصيةً على التشرذم والانقسام تقبل التكابل والتفاضل والتنافس في خنادق الفعل الثوري وميدان التضحية والشهادة والبناء الوطني وترفض السير في دولاب الأنظمة الدكتاتورية والخنوع لإرادات الدول الكبرى الحامية للمشروع الاستعماري في أرض فلسطين الغالية.
ورغم التباينات الفكرية والسياسية بين مكونات منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جبهوي نضالي يمثل الكيان الشرعي الممثل لإرادة الفصائل والشعب الفلسطيني فإن الحد الأدنى من التفاهم والحوار وروح الأخوة بقيَ حارساً للعلاقة الكفاحية والثورية داخل هذا الإطار الشرعي القيادي.
وتمثل انطلاقة حركة حماس بأيديولوجيتها المعارضة وفكرها المختلف من حيث الأسس والأبعاد والأهداف بداية التفسخ الحاد في أدوات الفعل المقاوم والبحث عن شرعية نقيضة للشرعية التاريخية الفلسطينية.
ورغم محاولات فتح وقوى منظمة التحرير الفلسطينية لترسيخ وحدة المقاومة والقيادة والثورة في إطار وطني جامع وفي عدة حوارات إلا أن الأيديولوجيا والانغلاق الفكري عند حركة حماس حالة دون إنجاز وحدة جبهة المقاومة سواء في إطار القيادة الوطنية الموحدة بالانتفاضة الأولى أو في البيت الجامع للكل الفلسطيني منظمة التحرير الوطني الفلسطينية وأطرها المتنوعة وهذا دلالة على أن الانقسام الحالي (الانقلاب الأسود) ليس بسبب أوسلو أو تداعياته السياسية وإنما نتاج تباين فكري سياسي أيديولوجي ولاحقاً تناقضات ميدانية وسوء تواصل بالعلاقات وغياب روح التآخي بين أدوات الفعل المقاوم.
ما يهمنا في هذا السياق ونحن نرى وعبر كافة المحطات والشاشات وخاصة محطتنا الفضائية الوطنية الرسمية فضائية فلسطين روح حريتنا وتواصلنا الزحف الجماهيري الثوري في رام الله البطولة وغزة الثورة التي لا تهدأ غزة النظام والمهنية والأداء التنظيمي الفتحاوي المميز وكل ساحات التواجد الفلسطيني الذي يعلن بكل جرأة وشجاعة أن قواعد وأنصار وأعضاء وهياكل حركة فتح وجماهير الشعب الفلسطيني هي القيادة الحقيقية وتسبق القيادة الرسمية في الانتصار لفتح ووحدتها وتماسكها وتؤكد بهذا الزحف الثوري النضالي والانتماء الواعي الرفض لكل محاولات المتربصين بفتح وحضورها وجماهيريتها وبرنامجها خارجياً وداخلياً والإصرار أن هذه الحركة الثورية لن تفقد البوصلة ميدانياً وشعبياً وتنظيمياً وهي بحاجة إلى علاج حقيقي وجذري لأمراض الجسم القيادي الأعلى الذي لا يرتقي بأدائه وسلوكه وفعله إلى مستوى تاريخ حركة فتح ونضالها وطموحات أبنائها وجيشها الثائر.
فالجماهير المحبة والمنتمية لفتح تعي خطورة المرحلة والمعارك الصعبة التي ستخوضها ضد الاحتلال دفاعاً عن الثوابت والأهداف الوطنية والزلازل القاسية للأسف التي يسببها عدم انضباط بعض القيادات لأصول القيادة الثورية والانسياق وراء نزاعات سلبية تخدم كل المتآمرين على فتح وتاريخها ورغم ذلك كان الرد الجماهيري التنظيمي الفتحاوي حازماً وقاطعاً خاصة في غزة الكبرياء والنظام والعطاء والشهداء والانتماء هذا المشهد الفتحاوي المميز في كافة الساحات الذي عكس روح فتح قيادياً وقاعدياً تنحني له الهامات ويحمي مشروع فتح ورسالتها.
إن الجماهير هي صاحبة السيادة والوصاية والقرار السيادي الديمقراطي وهي تتحرك بكل ضميرٍ ومسؤوليةٍ ومعرفةٍ وانضباط رغم العديد من التجاوزات والظلم الداخلي للعديد من الكوادر والأعضاء ومنطق الاستزلام الذي لا يليق بالحركات الثورية التحررية لتؤكد أن فتح ومكانتها وفكرتها ورياديتها ستبقى حصانة الوطن والمشروع الوطني.
هذه الجماهير التي هتفت في رام الله لتسمع صوت أبو الشهداء القائد أبو رعد حازم وأبو عمر ليلى وعدي التميمي ووالد الشهداء جواد وظافر الريماوي وكل الشهداء تعيد الاعتبار لشعلة المقاومة وبأن المقاومة بكافة أشكالها حسب قرارات الشرعية الدولية هي خيار الشعب المستَعمَر والمحتل الذي يواجه أعتى و أشرس أنواع الاستعمار الاستيطاني التفريغي.
وعلى القيادة المركزية في اللجنة المركزية لحركة فتح والمجلس الثوري أخذ العبرة من قواعد الحركة وجماهيرها والارتقاء بمستوى العلاقة والأداء والتواصل إلى ما يليق بتاريخ هذه الحركة وتضحيات الشهداء والأسرى والجرحى لأننا لا نريد أن نكون كأسرى مجرد رموز عابرة أو شهداء للكسف الآني إننا جاهزون دوماً لنضحي ألف مرةٍ ومرة بأعمارنا وبكل ما نملك دفاعاً عن فلسطين والأقصى وعن حرية الأقصى والأرض والعودة والتحرير وفتح التي انتصرت قوماً بقانون المحبة و الأخوة والتفاني والإيثار الذي رسخه الشهيد القائد أبو جهاد الوزير تحتاج إلى جرأة قيادية تحترم إرادة الأعضاء وإرادة جماهير الحركة لرص الصف القيادي وتوحيده لأن المشكلة ليست بالجماهير والأعضاء التي لا زالت تقدم الدم والتضحيات لأجل الحرية والدولة والعودة ودفاعاً عن فتح وعن فكرة الشهداء وعن روح الشعب دوماً تنهض الجماهير عاصفة لا تهدأ وثورة إعصارٍ تحطم كل المؤامرات على الجميع أن يرتقي إلى ما يليق بحركة فتح ونضالها وتضحياتها.