الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في أصل القصة كلها، ان النخب هي التي تقود الجماهير في أي فعل تقدمي للتغيير الإيجابي. وان الشعوب تكون متشككة او مترددة حتى تحصل على اليقين اللازم للتحرك .
الا في فلسطين. صارت كل السلوكيات معكوسة وهناك تبادل أدوار. الشعب يقود ويفكر ويقرر وينفذ ويقترح ويضع رؤى ويصنع خططا ويخلق أدوات، فيما النخب من اليمين ومن اليسار (في الغالب) تتمسك بدورها الكلاسيكي المخملي، وتشكك وتتردد وتطلب من الجماهير اثباتا قاطعا ان التغيير لن يمس باستقرارها الراهن !!
وتعريفي للنخب هنا. هي تلك الشريحة المثقفة التي تنشغل بالسياسة وتقدّم نفسها كطليعة للجماهير. اما النخب التي لا تقدّم نفسها كطليعة للجماهير وتعرف حجمها ولا تدّعي ان لديها حلولا فلا أتحدث عنها لأنها قامت بتحديد دورها نظريا وأكاديميا .
خبر عاجل للنخب المنفصلة عن الواقع (الانتفاضة الثالثة انطلقت فعلا ودماء الأطفال والرجال تسيل في الشوارع، والمنازل تهدّم وجرافات الاحتلال تقتلع الزيتون ودبابات الاحتلال تقتحم المدن كل يوم وضباط الاحتلال يعتقلون العشرات يوميا) .
خبر عاجل ثان للنخب المترددة: الحكومة الدموية في تل ابيب بدأت حربا شاملة ضد الفلسطينيين ديموغرافيا وجغرافيا وتسرق الأرض والمنازل والتراث والرواية والتاريخ. وتمضي لتسرق المستقبل أيضا .
وبما ان الانتفاضة تسير، وان الفلسطينيين قرروا ان لا يموتوا بصمت. نتحدث عن بعض السلوكيات الثورية التي تجعل من الانتفاضة أمرا إيجابيا كيلا يتحوّل الفعل الثوري عبئا على الجماهير ذاتها:
لا داعي ان تعلن لجان التنسيق الفصائلي يوم اضراب. لأننا نعلن الاضراب ضد السكان الفلسطينيين انفسنا. والاجدر ان تعلن الحداد فقط. فلو اضربت جميع محلات جنين ونابلس والقدس ورام الله وبيت لحم والخليل وغزة. لن تتأثر تل ابيب، ولن تتأثر المستوطنات. بل سيكون التأثير عكسيا ضد عمل السكان وارزاقهم .
ممنوع تعريض الأطفال للموت وممنوع تكليفهم بمهمات للقتال. فالعدو يستهدف الأطفال ويقتلهم كل يوم. وقناصة الاحتلال يعرفون انهم أطفال ومع ذلك يقتلونهم. والمطلوب منهم ان يتعلموا ويكبروا ويصبحوا رجالا ومقاتلين وليس ان يندفعوا نحو الموت. وهذه مهمة التنظيمات واللجان الشعبية وقادة الفعل على الأرض .
لكل مدينة خصوصيتها. وشاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي لا تحدد شكل النضال لكل منطقة. وان الاحتلال خسر من عملية عدي التميمي أكثر مما خسر في اية معركة أخرى . والاحتلال يخشى من طريقة (اضرب واهرب) اكثر مما يخشى من بقاء المقاتلين في وجه الدبابات المصفحة والمدرعة والمجنزرة التي لا يفل فيها الرصاص .
ليس مطلوبا من اية مدينة ان تقوم ب "تجييش الثورة". فالثورة والعمل الكفاحي ليس جيشا ولا فرق عسكرية، حتى لا يصبح المقاتلون اهداف سهلة ومعروفة للاحتلال وطيرانه وجواسيسه .
في كل يوم تحترق قلوب الفلسطينيين على الخسائر البشرية فيما الاحتلال يدخل بآليات مصفحة وواقي رصاص وحماية جوية وقناصة محترفين وقتلة مجرمين. لذلك على كل مدينة ان تفكر من جديد بطريقة تقليل الخسائر البشرية في صفوفها .
الخطاب السياسي الفلسطيني القيادي فيه عوار قاتل. لا يوجد خطاب موحّد وهناك انقسام وهناك مصالح حزبية، ولا يزال الاعلام ينشغل بإحراج الطرف الاخر والصاق العيوب به بدل من تكثيف الخطاب ضد عدو واحد .
لذلك نقول ان الجماهير تمضي وهي دائما على حق, وان النخب السياسية والإعلامية لا تزال تعيش في جحور الانقسام والتردي .